د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: الإغراب لكسب الإعجاب!
من أسفٍ أن الإغراب صار عند البعض أسلوبًا لكسب الإعجاب؛ فالحقيقة إنه قد كثر من يستخدم هذا الآية الكريمة: (فما ظنكم برب العالمين) في غير محلها! فحُسن الظن بالله واجب وفرض وتوجيه إلهي ونبوي كريم، دليله الأحاديث الصحيحة؛ مثل ما جاء في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي) رواه البخاري ومسلم، وعند أحمد والدارمي وابن حبان زيادة (فليظن بي ما شاء) وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) رواه مسلم.
أما هذه الآية الكريمة: (فما ظنكم برب العالمين) فقد وردت في القرآن الكريم في الآية: ٨٧ من سورة الصافات على لسان الخليل إبراهيم عليه السلام ضمن كلامه معنّفا قومه على عبادتهم الأصنام، وقد قصد بها الخليل عليه السلام زجر قومه مذكرًا إيّاهم عند لقاء الله في الآخرة؛ ما ظنكم أن يفعل الله بكم يوم القيامة وقد عبدتم غيره؟
ولو كان الناصح بحسن الظن بالله انتقل إلى الاستدلال بالحديثين المتقدمين لكان أحسن، ولكن يبدو لي أن حب الإغراب والدخول على الناس بما لم تسمع آذانهم من قبل صار أسلوبًا لكسب متابعتهم وإعجابهم!
مثل من اخترع موضوع جبر الخواطر أنه أفضل عبادة لله.. فانظر -رعاك الله- إلى الأمر كيف صار اليوم؛ فقد صار جبر الخواطر عند البعض محور الدين كله! وصارت حكمة كل تشريع في نظر البعض هي جبر الخواطر! ومن عجيب ما وقع لي -مؤخّرًا- إنني قد سمعت أحد الخطباء وقد أحال كل الأحكام وأوامر الله لنا جبرًا للخواطر طوال خطبته التي تجاوزت نصف الساعة! حتى ما حدث مع بعض الأنبياء من ابتلاء أحاله ضمن جبر الخواطر!
ولا أقول ذلك في الآية الكريمة من عندي؛ فهذا تفسيرها في خمسة تفاسير معروفة مشهورة:
👈 قال الطبري رحمه الله: يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل إبراهيم لأبيه وقومه: (فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)؟ يقول: فأي شيء تظنون أيها القوم أنه يصنع بكم إن لقيتموه وقد عبدتم غيره.
👈 وقال البغوي رحمه الله: (فما ظنكم برب العالمين) إذ لقيتموه وقد عبدتم غيره أنه يصنع بكم.
👈 وقال القرطبي رحمه الله: فما ظنكم برب العالمين أي: ما ظنكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره؟ فهو تحذير، مثل قوله: ما غرك بربك الكريم وقيل: أي شيء أوهمتموه حتى أشركتم به غيره.
👈 وقال ابن كثير رحمه الله: قال قتادة: يعني ما ظنكم أنه فاعل بكم إذا لاقيتموه وقد عبدتم معه غيره.
👈 وقال السعدي رحمه الله: وما الذي ظننتم برب العالمين، من النقص حتى جعلتم له أندادا وشركاء. فأراد عليه السلام، أن يكسر أصنامهم، ويتمكن من ذلك، فانتهز الفرصة في حين غفلة منهم، لما ذهبوا إلى عيد من أعيادهم، فخرج معهم.
هذا.. ولا مانع من استخدام الآية الكريمة في موضوع إحسان الظن بالله، لكن أن نجعلها محور الكلام وأنها الدليل في وجوب إحسان الظن بالله ففي نفسي منه شيء.. والله أعلى وأعلم.