د. وليد عبد الحي يكتب: غزة.. عُرس بَغل
ثلاثة مشاهد تجمعت في لحظة واحدة في معركة طوفان الاقصى خلال الساعات الماضية:
1- استعادة 4 أسري إسرائيليين بالقوة العسكرية (وهي المرة الأولى منذ ثمانية شهور)
2- تواتر الشواهد عن مشاركة أمريكية ميدانية في عملية مخيم النصيرات بشريا ولوجستيا
3- انسحاب ممثلي الوسط (كتلة الوحدة الوطنية) بني غانتس وايزنكوت من حكومة نيتنياهو.
ولعل بناء سيناريوهات مستقبلية لتداعيات هذه الأحداث الثلاثة يشير إلى مشهد يذكرني بعنوان رواية للصديق المرحوم الأديب الجزائري الطاهر وطار وهو «عرس بغل»، وكما هو معلوم فالبغل هو حيوان عقيم ينتج من تزاوج فرس(انثى) وحمار(ذكر)، وتقوم فلسفة الرواية على ان أفضل طريقة للهروب من المسؤولية هي متابعة ما يجري كما هو.. وهو ما ينطبق على الوضع الاسرائيلي في احتفاله “بالمشهد الاول باستعادة 4 أسري بعد ثمانية شهور وبقاء أكثر من 120 أسير، عدا العدد الذي اعلن عنه ابو عبيدة في معركة جباليا الشهر الماضي والتي زادت «غلة الاسرى الإسرائيليين».
وتكدر المشهد الاحتفالي الإسرائيلي بمشهدين لاحقين، أولهما اعلان المقاومة عن سقوط 3 قتلى «بينهم أمريكي»، أي أن إسرائيل انقذت 4 وقتلت 3 بينهم أمريكي، وهو امر يفسد على بايدن مشهد «الراحة» التي عبر عنها بداية لنجاح تخليص الرهائن لكنه لم يدرك أن العملية تسببت في قتل اسير امريكي، وهذا شكل المشهد الثاني.
لكن عرس البغل يتضح أكثر في أن التوتر الداخلي في اسرائيل زادت حدته باستقالة زعيم كتلة الوحدة الوطنية بني غانتس التي لها 21 مقعدا في الكنيست، مما يعيد حجم الائتلاف الحاكم الى أغلبية ال64 عضوا التي كانت قبل انضمام بني غانتس وإيزنكوت، ناهيك عن الخلاف داخل الليكود بين غالانت (وزير الدفاع) وبين نيتنياهو، فهل انسحاب بني غانتس سيقود الى انشقاق داخل الليكود بفعل الخلاف بين نيتنياهو وغالانت؟ امر يستحق التفكير فيه، لكن للولايات المتحدة بعض الميل له.
لكن المشهد يزداد تعقيدا في الوضع الداخلي الإسرائيلي، فانسحاب بني غانتس كان مطلبا متكررا من ممثلي الصهيونية الدينية (حزب القوة اليهودية بقيادة بن غافير والصهيونية المتدينة بقيادة سموترتش)، لكن ذلك سيجعل الحكومة الاسرائيلية في اقصى ما عرفته اسرائيل من تطرفا كهنوتيا ، لان ذلك يجعل وزن كلا من حلفاء نيتنياهو الآخرين اكثر شعورا بأهميتهم في بقاء الائتلاف الحاكم بخاصة كلا من حركة شاس ويهودت هتوراة، ويبدو ان هاتين الحركتين بخاصة شاس قلقة من أن فوز المعارضة يعني طرح موضوع تجنيد المتدينين في الجيش، وهو أمر يضعها في موقف صعب امام ناخبيها.
ان انسحاب بني غانتس يعني مباشرة انتهاء مجلس الحرب الذي يضم مجموعة متباينة في مواقفها: فالمجلس يضم نيتنياهو + خصمه بني غانتس + وزير دفاعه الليكودي غالانت والذي لا يشاطره تكتيكاته الحربية والسياسية في موضوع ادارة الحرب ثم هناك مراقبين اثنين في المجلس هما ايزنكوت (الذي أعلن انسحابه) ورون ديرمر وزير الشؤون الاستراتيجية (وهو بالمناسبة الاكثر توجيها لنيتنياهو في علاقاته مع الولايات المتحدة بحكم طول خبرته في هذا المجال، ولا استبعد أن يكون له اليد الطولى في التنسيق مع الولايات المتحدة في موضوع الرصيف البحري والاتكاء الأمريكي عليه للمشاركة في عملية استعادة الأسرى).
ولنفترض جدا، أن حكومة نيتنياهو انهارت او انسحب نيتنياهو، وليس هناك من نائب لرئيس الوزراء في اسرائيل حاليا، وتمت الدعوة لانتخابات في ظل حكومة طوارئ، فان المسار سيتخذ اعادة خلط للتركيبة: فحزب «هناك مستقبل» بقيادة لبيد يريد انتخابات، وتسانده كتل أخرى بخاصة بقية كتلة الوحدة الوطنية، ولكن سيجد العالم نفسه أمام احتمالين لا ثالث لهما:
الاحتمال الاول: ان يفوز نيتنياهو مرة اخرى، وسيعود برعونة أكبر، مما سيزيد المذابح في غزة، بل قد يقود الى اتساع دائرة المواجهة اقليميا.
الاحتمال الثاني: ان يفوز بني غانتس وحاشيته، فماذا يعني ذلك، انه يعني تطبيق خطة غانتس التي تتألف من النقاط التالية:
1- نزع سلاح غزة واستعادة الأسرى
2- تشكيل إدارة فلسطينية جديدة من خلال تعاون إسرائيلي عربي أمريكي أوروبي
3- التعاون مع الولايات المتحدة لتوسيع التطبيع مع تركيز على السعودية
ذلك يعني أن الفارق بين نيتنياهو وغنيتس هو نفس الفارق بين ابليس والشيطان، وكل العرس الذي رافق الاحتفال باستعادة 4 أسرى، واحتفال بايدن بعودتهم، وانتظار نتائج انسحاب بني غانتس هي ليست الا عرس بغل.
سيتواصل الصراع، وحتى لو توقف القتال وتمت عملية تبادل أسري، فما على المنطقة إلا انتظار «عرس بغل جديد»..