بحوث ودراسات

أحمد الجوهري يكتب: قاعدة وتعريف ومثال (1)

(1)

من القواعد الفقهية الخمس الكبرى التي ترجع إليها جميع المسائل قاعدة: “الأمور بمقاصدها”.

ومعناها: أن أقوال وأعمال المكلف تأتي أحكامها في الشرع تبعًا لنيته وهدفه.

فقد تتحد الأقوال والأعمال في الظاهر وتختلف أحكامها بحسب النيات.

ومثالها: طلب العلم، من كان قصده به الدنيا ومتاعها.. حرم عليه ويستحق العقاب، ومن كان قصده به خدمة المسلمين.. فهو حلال ويستحق الثواب.

 (2)

من القواعد الفقهية الخمس الكبرى التي ترجع إليها جميع المسائل قاعدة: المشقة تجلب التيسير.

ومعناها: إذا حصلت للمسلم عند القيام بالتكاليف مشقة بسبب سفر أو مرض أو إكراه أو غيرها فإن الشريعة تخفف عنه وترخص له ما فيه يسر.

وعندما تزول هذه المشقة بسبب زوال سببها تعود الأحكام الشرعية العادية مرة أخرى.

ومثالها: المريض الذي يزيد الماء مرضه أو يؤخر شفاءه يتيمم، وعندما يبرأ يعود إلى الوضوء.

 (٣)

من القواعد الفقهية الخمس الكبرى التي ترجع إليها جميع المسائل قاعدة: “اليقين لا يُزال بالشك”.

ومعناها: ما كان ثابتا بدليل قطعي وطرأ عليه تردد وشك لم يتغير حكمه بل يظل كما هو: نعمل بالمتيقن ونسقط التردد ونطرح الشك، فإن الشك لا يقوى على رفع اليقين.

ومثالها: من توضأ ثم شك هل أحدث أم لا، فإنه يبقى على حكم الطهارة.

 (4)

من القواعد الفقهية الخمس الكبرى التي ترجع إليها جميع المسائل قاعدة: الضرر يزال.

ومعناها: إلحاق الضرر بالغير حرام، سواء كان بسبب ضرر مقابله أو بغيره، فإذا وقع شيء من هذا وجبت إزالته.

ومثالهما:

– إخفاء عيب السلعة، فإنه ضرر، يأثم فاعله، ويجب عليه إزالته.

– الثأر، فإنه ضرار، فلا يجوز أن يستقل الشخص بأخذ القصاص من دون أن يرفع الأمر إلى المسؤول.

 (٥)

من القواعد الفقهية الخمس الكبرى التي ترجع إليها جميع المسائل قاعدة: العادة محكَّمة.

ومعناها: أن الشرع يجعل العادة والعرف من الحجج التي تثبت بها بعض الأحكام الشرعية في بعض الأحوال، إذا كانت عادة مستقيمة لم تخالف الشرع.

ومثالها: الماء متى يكون جاريًا ومتى لا يكون، والنجاسة متى تكون قليلة ومتى لا تكون، والعمل المنافي للصلاة متى يكون قليلًا ومتى لا يكون، والفاصل بين الإيجاب والقبول في العقود متى يكون قليلًا ومتى لا يكون، كل هذا يعود إلى العرف.

 (٦)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: الإيثار بالقرب مكروه.

ومعناها: من المطلوب شرعًا أن لا تقدم غيرك على نفسك في الطاعات التي تثاب عليها.

ومثالها: أن تترك مكانك في الصف الأول لغيرك أو نوبتك في القراءة على الشيخ، لأنها قربات والإيثار بالقرب مكروه.

 (7)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: الحدود تسقط بالشبهات.

ومعناها: الحدود الشرعية والعقوبات والكفارات لا تقام عند وجود شبهة قوية.

ومثالها: ظنَّ هذا الشيء ملكًا له أو لأبيه أو لابنه فأخذه، ثم بان أنه ملك لغيره، فلا يقام عليه حد السرقة.

 (8)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: إذا اجتمع الحلال والحرام غلِّب الحرام.

ومعناها: إذا اجتمع في شيء واحد دليلان أحدهما يحرمه والآخر يحلله ترجح التحريم لأن الحرام ممنوع في كل حالاته ويمكن تحصيل الحلال من مصدر آخر.

ومثالها: اشتبه لحم مذكّى بلحم ميتة لم يجز تناول شيء منهما.

(9)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: التابع تابع.

ومعناها: الشيء الذي يتبع غيره في الوجود يتبعه كذلك في الحكم كالجلد فهو يتبع الحيوان والفص فهو يتبع الخاتم والجنين فهو يتبع أمه، إلا ما دل الدليل على انفراده.

ومثالها: دخول المنافع في بيع الدور والأراضي، ودخول الحمل في بيع الأم، وإن لم ينص على شيء من ذلك في العقد.

(10)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “الرخص لا تناط بالشك”.

ومعناها: إذا توقف فعل الرخصة على سبب مشكوك فيه لم يشرع فعلها.

ومثالها: من شك في مسافة القصر.. لم يقصر ولم يفطر.

(11)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “الرخص لا تناط بالمعاصي”.

ومعناها: أن المعاصي لا تكون أسبابًا للرخص، فالرخصة تسهيل والعاصي لا يستحق التسهيل، فإذا توقف الأخذ بالرخصة على معصية لم يشرع الأخذ بها.

ومثالها: المرأة إذا سافرت من غير إذن زوجها لم يشرع لها الترخص بشيء من رخص السفر كلها.

 (12)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “الفرض أفضل من النفل”.

ومعناها: أن الفرض الذي ألزم الله تعالى بفعله أعظم ثوابًا وأكبر قربة وأفضل أجرًا من النفل الذي يتطوع به؛ لأن الفرض أهم.

ومثالها: فريضة الصلاة والزكاة والصوم والحج أفضل من نوافلها، وإدراك الجماعة أولى من تثليث الوضوء وسائر آدابه.

 (13)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “ما كان أكثر فعلًا كان أكثر فضلًا”.

ومعناها: العبادة التي تشتمل على أفعال كثيرة من أركان أو سنن ونحو ذلك أعظم ثوابًا وأكثر أجرًا من العبادة التي تقل عن ذلك.

ومثالها: فصل الوتر أفضل من وصله؛ لزيادة النية، وتكبيرة الإحرام، والسلام، والتشهد.

 (14)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “العمل المتعدي أفضل من القاصر”.

ومعناها: أنَّ العمل الذي تعمله فينفعك ويتعدى نفعه إلى الآخرين هو أفضل من العمل الذي يقتصر نفعه على شخصك وأجلُّ عند الله قدرًا.

ومثالها: طلب العلم الشرعي وهو التوحيد والفقه والحديث والتفسير أفضل من صلاة النافلة؛ لأن طلب العلم يتعدى نفعه إلى كثير من الناس، وصلاة النافلة لا يتعدى نفعها صاحبها.

 (15)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “الميسور لا يسقط بالمعسور”.

ومعناها: أنَّ ما أمرك الله به فعجزت عن بعضه.. لا يسقط ذلك البعض الآخر الذي تقدر عليه، فقم بما تيسَّر ويعفى عنك فيما تعسَّر.

ومثالها: إن لم يطق المصلي الانحناء للركوع والسجود.. أومأ بهما قائمًا قدر إمكانه، وليس معنى عجزه عن الإتيان بهما كاملين أن يسقطا عنه بالكلية.

 (16)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “لا ينكر المختلف فيه، وإنما ينكر المجمع عليه”.

ومعناها: أن ننكر على من يخالف في الأحكام المجمع عليها أو يخالف في الأحكام التي وقع فيها الاختلاف بين الأئمة والخلاف ضعيف، وأما من يخالف في الأحكام التي وقع فيها الاختلاف بين الأئمة والخلاف قوي فلا ننكر فيها؛ لاحتمال أن المخالف قلد من يرى ذلك وله دليله، فلا ينكر عليه والحالة هذه.

ومثالها: إذا أفتى مفت بأن لمس المرأة لا ينقض الوضوء.. اعتبرت فتواه، ولا يعترض عليها باجتهاد من رأى أن لمس المرأة ناقض؛ لوجود الخلاف القوي في المسألة.

 (17)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “يدخل القويُّ على الضعيف ولا عكس”.

ومعناها: أنَّ الضعيف من الأدلة والأحكام لا يظهر أمام القويِّ منها ولا يقاومه، ولذلك فإنَّ القويَّ لقوته يدخل على الضعيف أحيانًا، وأما الضعيف فلضعفه لا يمكن دخوله

على القويِّ ولا ظهوره معه إلا استثناء.

ومثالها: يجوز أن يقلب الفرض نفلًا، ولكن لا يجوز أن يقلب النفل إلى فرض، فمن دخل المسجد ليصلي فريضة فنوى وصلى منفردًا، ثم قامت جماعة في المسجد.. فيجوز لهذا المنفرد أن يسلم على رأس ركعتين من الصلاة الرباعية ويدخل مع الجماعة، ويكون الركعتان له نافلة.. بخلاف ما لو كان يصلي نافلة فلا يجوز أن يقلبها إلى فريضة.

 (18)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد”.

ومعناها: إذا اجتهد مجتهد في مسألة ما من المسائل الشرعية الاجتهادية، وعمل باجتهاده، ثم بدا له رأي آخر فعدل عن الأول في حادثة أخرى، فلا ينقض اجتهاده الثاني حكمه الناشئ عن اجتهاده الأول؛ لأنه ليس بأقوى منه ولتستقر الأحكام.

ومثالها: لو تغير اجتهاد المصلي في القبلة عمل بالثاني، ولو صلى أربع ركعات إلى أربع جهات بالاجتهاد صحت صلاته ولا قضاء عليه.

 (19)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “الخراج بالضمان”.

ومعناها: أن المشتري يملك غلة ومنافع وثمار المَبيع مقابل ضمان عينه.

ومثالها: اشترى سيارة واستعملها أو شقة وأجرها أو بهيمة وولدت عنده ثم رد ذلك كله بعيب فالمنفعة والأجرة والولد للمشتري.

 (20)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “إعمال الكلام أولى من إهماله”.

ومعناها: أن حمل الكلام على معنى يعمل به هو أولى من إهماله؛ لأن المهمل لغو، وكلام العاقل يصان عنه.

ومثالها: لو وقف أحد على أولاده – أو أوصى لأولاده – فيتناول الوقف أولاده من صلبه فقط إن كانوا موجودين؛ لأنه الحقيقة، فإن لم يكن له أولاد من الصلب.. تناول أولادهم حملًا عليهم بطريق المجاز، صونًا للفظ عن سقوطه.

(21)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “الخروج من الخلاف مستحب”.

ومعناها: أنَّ الأخذ بالأحوط في الأحكام الشرعية الاجتهادية، بفعل ما اختلف العلماء في وجوبه، وترك

ما اختلفوا في تحريمه؛ أولى وأفضل، وقد ندب إليه الشرع، وذلك لأنَّ فيه اتقاء الشبهة، وعونًا على الجماعة، وعدم التفرُّق..

ومثالها: يستحب الدَّلك في الوضوء والغسل، ويستحب استيعاب مسح الرأس في الوضوء، ويستحب الترتيب في قضاء الصلوات، خروجًا من خلاف من أوجب الجميع.

(22)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “لا ينسب للساكت قول”.

ومعناها: أنَّه لا ينسب إلى من لم يتكلم أنه أذن بكذا، أو أقرَّ بكذا؛ لأن السكوت يقع موقع الاحتمال والمحتمل لا يكون حجة، ولهذا ربط الشرع أحكام المعاملات بالتعبير المتيقن عن إرادة الالتزام.

ومثالها: إذا باع شخص سلعة غيره أمامه، فلم ينهه صاحب السلعة، فلا يعدُّ هذا السكوت إجازة للبيع.

(23)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “التأسيس أولى من التأكيد”.

ومعناها: أنَّ الأصل في الكلام أن يفيد فائدة مستأنفة غير ما أفاده سابقه؛ لأن الاستئناف تأسيس، وإفادة ما أفاده الكلام السابق تأكيد، والتأسيس أولى من التأكيد؛، فإذا دار اللفظ بينهما تعين حمله على التأسيس؛ لأن فيه حمل الكلام على فائدة جديدة، وهو خير من حمله على فائدته الأولى كما قيل: حمل الكلام على الإفادة خير من حمله على الإعادة.

ومثالها: لو قال لزوجته المدخول بها: أنت طالق، أنت طالق، ولم ينو شيئًا من التأسيس أو التأكيد، فالأصح الحمل على التأسيس، ويقع طلقتان؛ لأن اللفظ إذا دار بين التأسيس والتأكيد تعين حمله على التأسيس.

(24)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “السؤال معاد في الجواب”.

ومعناها: إذا طرح سؤال مفصَّل، وورد الجواب بإحدى الأدوات المجملة؛ كنعم، وبلى، فيعتبر الجواب مشتملًا على ما في السؤال من تفصيل؛ لأن مدلول هذه الأدوات يعتمد على

ما قبلها، ويكون جميع ما ورد في السؤال موجودًا في الجواب ولو لم يكرره.

ومثل السؤال غيره من ألفاظ الإنشاء، فيكون الجواب شاملًا لما ورد قبله.

ومثالها: إذا سئل إنسان: هل لفلان عليك كذا وكذا بسبب كذا؟ فأجاب: نعم.. كان مقرًّا بكل ما ورد في السؤال، ولو قالت له امرأته: أنا طالق، فقال: نعم.. طلقت، أو قال آخر: امرأة

فلان طالق إن دخل هذه الدار، فقال فلان: نعم.. كان حالفًا.

ولا حاجة إلى إعادة ما ورد في السؤال أثناء جوابه.

(25)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “النفل أوسع من الفرض”.

ومعناها: أنَّ النّفل يقبل من الرُّخص والتَّوسعة ما لا يقبله الفرض، سواءً أكان صلاة أم زكاة أم صيامًا، وأمَّا الحجُّ فلا فرق بين فرضه ونفله.

ومثالها: في الصيام: لا يجب تبييت النيَّة في صوم النفل من الليل ويصح إيقاعها بعد الفجر إلى قبيل الزوال، بخلاف صوم الفرض فإنه يجب تبييت نية الصيام من الليل قبل الفجر فيه.

(26)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “الدفع أقوى من الرفع”.

ومعناها: أنَّ أخذ أسباب الوقاية قبل نزول البلاء أيسر وأولى من ترك البلاء حتى ينزل ثم رفعه بعد ذلك.

ومثالها: السفر قبل الشروع في الصوم يبيح الفطر،  ولو سافر في أثناء يوم من رمضان لا يبيحه.

(27)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “الفضيلة المتعلقة بنفس العبادة أولى من المتعلقة بمكانها”.

ومعناها: أنَّ الثواب المتعلق بهيئة العبادة أي بذاتها ونفسها أكثر من الثواب المتعلق بمكانها والموضع الذي تؤدى فيه.

ومثالها: الصلاة المفروضة جماعة في المسجد أفضل منها في البيت، فلو لم يكن في المسجد جماعة وحصلت له الجماعة في البيت كانت أفضل منها.

(28)

من القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية قاعدة: “الرضى بالشيء رضى بما يتولد منه”.

ومعناها: أنَّ من رضي بعمل فهو راض ضمنًا بما ينشأ عن هذا العمل، فيتحمل نتائجه وآثاره وما يترتب عليه.

ومثالها: إذا رضي مريض بإجراء عملية جراحية فهو راض ضمنًا بنتائجها – ما لم يحدث تقصير من الطبيب المعالج -، فلا حق لورثته في التعويض.

أحمد الجوهري

مصنّف ومحقّق، يدرّس علوم الشريعة، ومدير معهد في الأزهر الشّريف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى