محمد شعبان أيوب يكتب: أمور عجيبة في مجرى القدَر الإلهي
هذا أبو طالب الهاشمي، عم النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي ناصرَه وآواه وأطعمه وسقاه ظلّ على شركه حتى مماته فهو خالد في جهنم مُعذّب وإن كان أقلّهم عذابا كما في الحديث.
وهذا أبو سفيان صخر بن حرب الأموي رضي الله عنه، حارب النبي وعاداه، وكاد ينهزم الإسلامُ على يديه يوم أُحد والخندق، ثم هداه الله في فتح مكة، ومنحه النبي شرفا قائلا: (مَن دخلَ دار أبي سُفيان فهو آمن)، ورغم ذلك؛ ظل في نفسه شيء من رسول الله غير مصدّق أنه نبي حتى كان في معركة حنين حدّثته نفسه وهو بجوار النبي قائلا: “ما أدري بما يغلبنا محمد! فضرب النبيّ صلى الله عليه وسلم في ظَهره وقال: «باللَّه يغلبك». فقال: أشهد أنك رسول اللَّه”. فمن ذا الذي يعرف نجوى الإنسان سوى نبيّ أطلعه الوحي!
أبو سفيان هذا أُصيبت عينه الأولى في حُنين كما سيق في إحدى الروايات حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “إن شئتَ دعوتُ الله يردّها عليك وإن شئت صبرت فلك الجنة. فقال: بل الجنة”، ثم أُصيبت عينه الثانية في معركة اليرموك وكان من أشدّ المحمّسين للجنود بها، والرافعين لهممهم، ثم شاء الله أن يموت في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة 31 من الهجرة وهو كبير في عمر ال88، فهو أسنّ من النبي وُلد قبله، ومات بعده بعشرين سنة.
وقد زاد شرفه بمصاهرته للنبي صلى الله عليه وسلم حين تزوج ابنته أم المؤمنين أم حبيبة رَملة بنت أبي سُفيان، وكان يزورها بعد إسلامه ويأنس بها وبالنبي ويتضاحكان سويا كما يروي ابن حجر في الإصابة، تماما كما كان يفعل أبو بكر رضي الله عنه حين كان يزور عائشة والنبي.
أقدار الله لا محيط بها، ولا عالم لأسرارها، صدق سبحانه: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ).