أحمد ذكر الله: 5 تداعيات كارثية للانقطاع المستمر للكهرباء علي الاقتصاد المصري
مصر دخلت الدائرة الجهنمية للأزمات والسلطات ليست جادة في محاولات الخروج
أكد الأكاديمي المصري، وخبير واستشاري دراسات الجدوى الدكتور أحمد ذكر الله أن هناك تداعيات كارثية تعرض لها الاقتصاد المصري نتيجة أزمة الانقطاع المستمر للكهرباء ،وفي مقدمتها تدمير قطاعات مهمة مثل القطاع الزراعي وصناعة الأسمدة ،فضلا عن تراجع ثقة المستثمرين المصريين والأجانب في مناخ الاستثمار وتكريس اعتقاد بعدم قدرة مصر علي مواجهة المخاطر وتوفير الحلول لها.
وتابع ذكر الله، في حوار له مع «جريدة الأمة الإليكترونية» قائلا إن أزمة الكهرباء تعد أحد مظاهرة المشكلة الاقتصادية العميقة التي تعاني منها مصر خلال السنوات الأخيرة، بسبب نقص التدفقات الدولارية مشيرا إلي أن الرهان علي أدوات السلطة الحالية في مواجهة الأزمة سيزيدها تفاقما.
تخريب صناعة الأسمدة وتدمير القطاع الزراعي أبرز خسائر أزمة الكهرباء |
وحذر من أن تبعات أزمة الكهرباء وقبلها أزمة سعر صرف الجنيه قد ساهمت في مغادرة عدد كبير من رجال المصريين للسوق المصرية وتفضيلهم استثمار أموالهم في الأسواق السعودية وهو أمر أكدته بيانات سعودية شبه رسمية أشارت إلي أن أكثر من حصلوا علي تراخيص العمل في السعودية في الأشهر الأخيرة ،رجال أعمال مصريون مما يسدد ضربة قاصمة لسوق الاستثمار في مصر.
ولم يستبعد خبير دراسات الجدوى المصري إمكانية تعويم الجنيه مجددا في ظل استمرار أزمات التدفقات الدولارية، لكن هذا الأمر لن يحدث قبل عامين مقللا من اهمية شهادات صندوق النقد بتحسن الاقتصاد المصري معتبرا الأمر ضوء اخضر للاقتراض ودليلا علي عدم مغادرة الدائرة الجهنمية التي دخلها الاقتصاد المصري ويصعب تجاوزها.
الحوار الأكاديمي والخبير الاقتصادي المصري أحمد ذكر الله ، تطرق لقضايا عديدة نعرضها بالتفصيل في السطور التالية .
• ما هي تأثيرات أزمة الكهرباء علي الاقتصاد المصري في ظل اعلان عدد من شركات الأسمدة الكبري التوقف عن العمل رغم أن مداخيل هذه الشركات تزيد علي ٢ مليار دولار ونصف سنويا؟
•• أزمة الكهرباء انعكاس لمجمل الأوضاع الاقتصادية التي عانت منها مصر خلال السنوات الأخيرة من الاعتماد المفرط علي القروض الأجنبية والرهان عليها لسد عجز الموازنة ولتمويل مشروعات يمكن أن تكون ذا عائد بعيد أو منعدمة العائد من الأساس ولا تستطيع أن تلعب دورا في سداد الديون، لاسيما أن جزءا كبيرا من هذه الديون يجب سداد بالدولار.
تراجع الثقة في مناخ الاستثمار في مصر وتضاؤل القدرة علي مواجهة المخاطر يفاقم الأزمة الاقتصادية |
ومن هنا يجب التأكيد أن أزمة الكهرباء التي تعاني منها مصر هي انعكاس لأزمة الفجوة الدولارية الضخمة التي قضت مضاجع الاقتصاد المصري خلال السنوات الأخيرة، وهي الأزمة التي تصاعدت بشدة بعد تقلص تحويلات المصريين بالخارج، الذين كفوا عن تحويل مدخراتهم للسوق المصرفية الرسمية وغدوا يراهنون علي السوق الموازية.
لذا فأزمة الكهرباء التي نعاني منها حاليا يبدو حلها شديد الصعوبة ،في ظل النقص الحاد في الموارد الدولارية، والعجز عن توفيرها لاستيراد الغاز الطبيعي ،اللازمة لتشغيل محطات التوليد.
• تداعيات تخفيف الأحمال كما تسميها السلطات المصرية تفاقمت لدرجة أنها تسببت في توقف العديد من مصانع الأسمدة التي تدر علي الاقتصاد المصري نحو 2 مليار ونصف؟
•• من الخسائر الاقتصادية المترتبة علي أزمة انقطاع الكهرباء أو كما يطلقون عليها، تخفيف الأحمال، إغلاق عدد من مصانع الأسمدة، وتوقفها عن الانتاج ونقص منتجات الأسمدة في السوق المحلية
وبالتالي ارتفاع أسعارها ومعها كافة المنتجات الزراعية وانتقال عدوي ارتفاع الأسعار لهذا القطاع الحيوي بنسبة من 20:30%حال استمرار الاوضاع، مما يسدد ضربة قوية لهذا القطاع المهم ويساهم في زيادة حد التضخم وتراجع مستويات معيشة المصريين
وهي مستويات المعيشة التي شهدت انهيارا غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة ،دون أن تظهر أي علامات علي إمكانية تجاوز الاقتصاد المصري لهذا النفق المظلم.
انهيار سعر صرف الجنية والانقطاع المستمر للكهرباء وراء هروب المستثمرين المصريين للسعودية |
كما أن تراجع العائدات الدولارية من هذا القطاع الحيوي في وقت نحن في أمس الحاجة الي كل دولار بضر بالاقتصاد المصري ضررا بالغا، وهي أوضاع مرشحة للاستمرار، نتيجة سياسات كارثية تبنتها الحكومة خلال السنوات العشر، ولم تبد معه أي نية للتراجع عنها ،أو الاعتراف بخطاها.
• في ظل حديث الدولة عن تقديم إجراءات للمستثمرين للعمل في مصر ما أضرار أزمة تخفيف الأحمال يوميا لمدة ثلاث ساعات فهل هذا عمل جذب للاستثمار أم إقرار رسمي للفشل أم بعدم الحاجة لاستثمارات أجنبية؟
•• أزمة انقطاع الكهرباء، لن تتوقف عند هذا القطاع الحيوي، بل ستؤدي من ضمن جملة الخسائر ،إلي تراجع الثقة في القدرة علي جذب الاستثمارات الأجنبية أو تأمين بقاء المستثمر المحلي، لاسيما، بعد أن رأينا خلال العامين الماضيين تصفية عدد من المستثمرين المصريين لأعمالهم والانتقال لأسواق أخري.
بل أن كان هناك إعلانا سعوديا شبه رسمي من فترة أن 30%من التراخيص التي منحت في المملكة ،قد قدمت لمستثمرين ورجال أعمال مصريين غادروا السوق المحلية، بعد تراجع معدلات ثقتهم في تجاوز مصر لهذه الأزمة ،وغياب أي محفزات للاستثمار أو الاستقرار الاقتصادي.
• الكارثة التي حاقت برجال الأعمال المصريين لاشك ان تداعياتها قد امتدت للراغبين في الاستثمار في مصر؟
•• إذا كان هذا هو حال المستثمر المصري، فما بالك ما سيجري مع المستثمرين الأجانب في ظل استمرار أزمة الكهرباء وتداعياتها في المستقبل ،وعدم القدرة علي مواجهة المخاطر أو التنبؤ بها قبل حدوثها والثقة في القدرة علي التعامل معها خلال فترة وقوع الأزمات.
غياب الانتاج وأجهزة الرقابة والمتابعة وافتقاد إجراءات الهيكلية أدخل الاقتصاد المصري النفق المظلم |
ومن هنا اعتقد أن الأمور تسير من سيئ لأسوأ ،لاسيما أنه في الفترة الحالية لا يبدو أن هناك حلولا حقيقية للأزمة ،وربما في المستقبل قد تكون هناك حلول، لكن الثابت كما قال رئيس الوزراء المصري مصطفي مدبولي، إن الأزمة مستمرة حتي نهاية العام أو بداية العام المقبل .
• لماذا تبدو الأزمة الاقتصادية في مصر عصية علي الحل؟
•• الأزمات المتتالية التي تعاني منها مصر علي الصعيد الاقتصادي، تعد نتيجة للمرض العضال الأساسي ،والمتمثل في غياب الانتاج وافتقاد أي أفق سياسي يمكن من خلاله محاسبة ومناقشة أي من يقومون بإدارة الملف الاقتصادي.
كما أن غياب أي مؤسسات للمحاسبة أو عدم قيام هذه المؤسسات بدورها في الرقابة والمتابعة، لاسيما فيما يتعلق بالحصول علي القروض وأوجه انفاقها وفي مراجعة المشروعات العامة والخطط الاقتصادية قد أضر بشدة باقتصادنا ..
• كأنك تشير إلي الأزمة في مصر تبدو سياسية في المقام الأول قبل أن تكون اقتصادية؟
•• الأزمة في مصر سياسية في المقام الأول، فلا توجد مناخ عام ملائم ولا احزاب سياسية قوية ،وافتقاد أي آلية لتداول السلطة وإعطاء المشروعات للأجهزة السيادية مثل الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية.
أزمة مصر سياسية في المقام الأول.. وبيع الأصول لا يبني اقتصادا |
كل هذه أسباب فاقمت من الأزمة الاقتصادية، وساعدت في تعرضنا لأزمات الواحدة تلو الأخرى وما أن نخرج من أزمة نعجز عن حلها بالطبع ،حتي نفاجئ باندلاع أخري كالكهرباء نموذجا ،وبعدها ستندلع اخري نعجز عن حلها بسبب المناخ السياسي السيئ الذي نعاني منه. .
• الأزمات التي تعاني منها مصر تؤكد أنها دخلت حلقة جهنمية يصعب تجاوزها قريبا؟
•• كلنا نعرف مساوئ اللجوء لصندوق النقد الدولي ،وأن الحصول علي القرض الأول من الصندوق يكون بمثابة فخ ينصب للعديد من الدول ،التي تبدو عاجزة عن سداده فلا تجد أمامها خيارا سوي الحصول علي قرض أخر وبشروط مجحفة.
هذه الشروط تدخلها دائرة جهنمية تصعب من مهمة تجاوزها كونها تبدو عاجزة عن الرقابة او التحكم في مؤشراتها الاقتصادية في مقدمة هذه المؤشر سعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية الذي شهد انهيارا لم يتوقعه أكثر المتشائمين.
شهادات صندوق النقد الدولي بتحسن الاقتصاد مجرد ضوء لاستمرار الاقتراض |
• لكن الصندوق يمنح من وقت لأخر شهادات تشير لتحسن الأوضاع الاقتصادية في مصر؟
•• أي وثيقة أو شهادة من صندوق النقد الدولي تشير إلى تحسن أوضاع الاقتصاد المصري، ليست الا ضوء اخضر لإمكانية الاقتراض من الخارج بشكل أو بآخر، فضلا عن أن الإفراج عن دفعة جديدة ليس مؤشرا مطمئنا، لاسيما أن معظمها سوف يذهب على هيئة أقساط مستحقة لصندوق النقد الدولي بعد أيام قلائل، بشكل يفاقم من الكارثة الاقتصادية التي نعاني منها.
• لم يعد قطاع كبير من المصريين يثق في مثل هذه الشهادات ويعتبرها مكافاة من الصندوق علي سياسات معينة لا علاقة لها بالاقتصاد؟
•• هذه الشهادات وهذا الافراج لا يعني أن الأوضاع جيدة بل ربما مازالت شديدة السوء ،وليس أدل علي ذلك من استمرار تخفيف أحمال الكهرباء بجميع أنحاء مصر، وعدم القدرة على استيراد الغاز من الخارج ،ووقف ضخه قبل أيام لشركات الأسمدة، وحتى لو تم بعض التغيير فإن هذا لا يعدوا إلا لمجرد تدبير بعض الاحتياجات الجارية للمواطن العادي ليس أكثر.
• إذن علام يراهن النظام المصري من مجمل السياسات ومنها رفع الدعم وبيع الأصول؟
•• ما يجري من سياسات وقرارات سوء الاقتراض او بيع الأصول لا يهدف لتوفير احتياجات استثمارية، أو زيادة القدرات الهيكلية القادرة على نقل البلاد إلى مصاف دول أخرى ،أو التي تدفع بها إلى تقدم آخر، ولا هدف لها علي الأقل الا الوفاء بتأمين المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية وهي كلها تطورات تعكس عمق الأزمة التي نعيشها وعدم وجود أي افاق قريبة لتجازوها او تقليل مخاطرها.
• في ظل هذه الأجواء عاود المراقبون الحديث عن تعويم جديد للجنيه؟
•• الحديث عن تعويم جديد للجنيه وارد جدا ،ولكن يبدو سابقا لأوانه ويبدو محصورا في أراء الخبراء الاقتصاديين حاليا علي الأقل لاسيما أن الحديث عن تداعيات أي قرار اقتصادي يحتاج لما بين 5و7 سنوات وما ورد من تقارير عن احتمالات تجاوزه 72 جنيها أمام الدولار ليس مستبعدا.
تعويم الجنيه مجددا أمر غير مستبعد واستمرار ازمة التدفقات التجارية دليل عبث السياسات الرسمية |
لكن هذا التعويم لن يتم قبل عامين علي الأقل في ظل أزمة التدفقات الدولارية التي يعاني منها الاقتصاد المصري والتي بدأت بوادرها عام 2017 وتفاقمت خلال العامين الماضين، ولا يبدو أن هناك أفاق لإيجاد حل جذري مادامت السياسات الحالية مستمرة وينكر القائمون مسئوليتهم عن المأساة التي يعاني منها الاقتصاد المصري.
• أين تكمن أزمة الاقتصاد المصري إذن؟
•• أزمة الاقتصاد المصري تكمن في عدم وجود إجراءات هيكلية للإصلاح ولا توجد بيئة اقتصادية حقيقية تقوم علي المؤسسية والتشريعات القانونية والعلاقات الاجتماعية الداخلية وتفاعل المؤسسات مع هذه العلاقات لاسيما أن استمرار الرهان علي المشروعات وحدها، لن يجدي فالمشروعات وحدها لا تقيم اقتصادا ،وإلا لكان عبدالناصر الذي بني أكثر من 1000مصنع قد أقال الاقتصاد المصري من عثرته.