مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: أخبار عظيمة من مصر!

ثلاثة أخبار تتعلق بالاقتصاد المصري كُشِف عنها هذا الأسبوع، ويمكن وصفها بالجيدة، بل والعظيمة من وجهة نظر مراقبين، ذلك لأنها تشير في ظاهرها إلى حدوث تطورات إيجابية على مستوى التدفقات الدولارية واستقرار سوق الصرف الأجنبي، وإعادة بناء احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي المخصص لسداد أعباء الديون وتمويل الواردات الأساسية، ومعالجة أزمة عجز أصول البنوك من النقد الأجنبي، وهي المشكلة التي كادت أن تهدد جزءا من الودائع الدولارية وأموال المودعين في القطاع المصرفي.

لكن في الباطن تشير تلك التطورات إلى شيء أخر هو أن مليارات الإمارات باتت ترسم الخريطة الحالية لبعض مؤشرات الاقتصاد المصري المهمة.

تراجع ديون مصر الخارجية.

الخبر الأول هو تراجع ديون مصر الخارجية بنحو 4.6% في الربع الأول من العام الجاري، لتسجل نحو 160.607 مليار دولار بنهاية شهر مارس الماضي، مقارنة بـ168.035 مليار دولار في نهاية شهر ديسمبر 2023، بانخفاض بلغت قيمته 7.427 مليارات دولار. ومن المتوقع أن يواصل الدين الخارجي تراجعه في الربع الثاني من العام الجاري، رغم توسع الحكومة في الاقتراض الخارجي بمعدلات قياسية.

زيادة احتياطي النقد الأجنبي

الخبر الثاني هو ارتفاع صافي احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري، إلى أعلى مستوياته منذ سنوات، حيث أظهرت بيانات البنك ارتفاع الاحتياطي إلى 46.125 مليار دولار في شهر مايو الماضي، مقابل 41.057 مليار دولار بنهاية شهر إبريل 2024، ويعد هذا أكبر احتياطي منذ شهر فبراير 2020، عندما وصل إلى مستواه التاريخي البالغ نحو 45.5 مليار دولار.

فائض في صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك

أما الخبر الثالث فهو ما كشفته بيانات البنك المركزي المصري، من أن صافي الأصول الأجنبية في الجهاز المصرفي في البلاد تحول إلى فائض بنحو 14.3 مليار دولار في مايو الماضي، لأول مرة منذ 28 شهرا، مع تزايد التدفقات الدولارية التي تلقّتها البلاد في الفترة الأخيرة.

وكانت هذه الأصول الأجنبية قد تحولت إلى عجز حاد تجاوز 27 مليار دولار بداية العام الجاري، وهو ما مثّل قلقاً شديداً للمتعاملين مع البنوك من أصحاب الودائع الدولارية، خاصة أن البنك المركزي كان يعتمد على تلك الأصول وودائع ومدخرات عملاء البنوك بالعملة الأجنبية على مدى أكثر من عامين ونصف العام، لتقوية الجنيه المصري في مقابل الدولار ودعم سعره على حساب المودعين والبنوك.

لكن عند تحليل تلك التطورات الثلاثة الإيجابية التي يشهدها الاقتصاد المصري هذه الأيام، نجد أن سببها الرئيسي ومصدرها الأساسي عامل خارجي، هو أموال الإمارات والصفقة الاستثمارية التاريخية التي أُبرِمت في الربع الأول من العام بين الحكومة المصرية وأبوظبي، بشأن مشروع رأس الحكمة، والبالغة قيمتها 35 مليار دولار حُولت فعلاً إلى مصر على شريحتين.

الأولى في مارس الماضي بقيمة 15 مليار دولار، وتم بمقتضاها تحويل خمسة مليارات دولار من دين الإمارات المستحق على مصر إلى استثمارات، مع تحويل عشرة مليارات أخرى لصالح تمويل المشروع. والثانية في منتصف شهر مايو الماضي بقيمة 20 مليار دولار، وتم بمقتضاها تحويل 6 مليارات من الدين إلى استثمارات، و14 ملياراً لصالح المشروع، وبالتالي فإن إسقاط 11 ملياراً من مستحقات الإمارات على مصر والحصول على ما يقابلهما بالجنيه ساهم في خفض الدين الخارجي المستحق على الدولة المصرية.

ومن هنا، فإن التطورات الثلاثة الأخيرة التي شهدها الاقتصاد المصري ليست ناتجة مثلاً عن حدوث طفرة في إيرادات الدولة من النقد الأجنبي، سواء من أنشطة رئيسية مثل الصادرات والسياحة وتحويلات المغتربين وقناة السويس ومبيعات النفط والغاز الطبيعي.

وليست ناتجة عن نجاح الحكومة في مضاعفة أرقام الاستثمار الأجنبي المباشر، وليست ناتجة عن ترشيد الحكومة الاقتراض الخارجي، بل العكس هو ما حدث؛ حيث أُبرِمت صفقات جديدة تم بمقتضاها الحصول على عشرات المليارات من الدولارات في صورة قروض ومنح من صندوق النقد والبنك الدوليين وبريطانيا واليابان والاتحاد الأوروبي وغيرها.

معركة الحكومة المصرية مع أعباء الدين الخارجي خلال النصف الأول من العام ستمر بسلام، لكن ماذا عن الفترة المقبلة؟ خاصة أن أرقام البنك المركزي المصري تؤكد أنه سيتعين على مصر سداد نحو 32.8 مليار دولار خلال العام الجاري 2024، وهي القيمة التي تعادل نحو 20% من إجمالي الديون الخارجية للبلاد.

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى