الأحد أكتوبر 6, 2024
مقالات

د. أحمد شحروري يكتب: هجرة الطوفان

مشاركة:

في مطلع كل عام قمري يتذكر الناس الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وما ذاك لأن الهجرة وقعت في أول الشهر المحرم، لكن لأن العام يبدأ به ولأنه وقع اختيار الفاروق على حدث الهجرة ليكون منطلقا للتاريخ الإسلامي فتتعلق به الأحداث قبله وبعده.

ولقد قضى رسولنا عليه الصلاة والسلام أن “لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية”، فما عادت الأنظار تتجه نحو الهجرة إلا لتتعلم منها ومما علق بها من أحداث ما يمدّها بالعزيمة على الثبات على عهد الحبيب عليه الصلاة والسلام، لأن النكوص يعني العودة إلى هجرات مذلّة، وقد كانت الهجرة النبوية عنوان العِزّ، كان بعدها نشوء الدولة الإسلامية التي سادت الدنيا وملأت آفاقها عدلا واستقرارا وأمنا، وخرج من رحم الهجرة مسجد يجمع الناس في سلمهم وحربهم وفي منشطهم ومكرههم، فصار مأوى الأفئدة وبه صُنّف الناس مؤمنا ومنافقا، عقدت ألوية الغزوات فيه، وعُرِضت حاجات الناس فيه، وفيه ترجمت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار إخوانا ينتظمون في صف الصلاة تستوي قلوبهم كما تستوي صفوفهم، ويخشعون للذكر كما تدمع عيونهم لحاجة محتاج أو آهة مريض .

لقد ربّت الهجرة مجتمعا إيمانيا مثاليا بلغ حاله في عهد الصديق رضي الله عنه ألا يترافع اثنان في خصومة لينظر فيها قاضيه الفاروق رضي الله عنه طوال حول بكامله، وأن يهزّ إيمانُ جيش متيقن من معية ربه تعالى عروشَ دول عظمى في بضع من السنين.

ولقد بشرنا المصطفى عليه الصلاة والسلام بطائفة من أمته ترث رسالة الهجرة وتستثمر دروسها وتثبت على ذلك لا يضرها من خالفها أو خذلها، وحدد مكانها في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، لنعيش بفضل الله وكرمه انبعاث هذه الطائفة لتذود عن حمى القدس وتحمي حرمة الأقصى وتخوض حربا عالمية ترميها فيها أمم البغي عن قوس واحدة.

وطوفان الأقصى وهو ينهي شهره التاسع يتفيأ ظلال الهجرة ويسير على خُطا إشراقاتها، ويوشك الطوفان أن يهاجر هو إلى كل أرض مسها الضيم وسِيمَت من عدوها خسفا، يوشك الطوفان أن يبلغ مداه ما بلغ الظلم مداه، ليُعمّي على آثار الدماء ويلملم الأشلاء، ويقيم الصلاة صلة بين المظلوم وحقه المغتصب، ويصنع المؤاخاة على طريق الثأر لآهات الثكالى وصرخات الجياع ورجفات الخائفين، سيهاجر الطوفان ليبلغ مداه ما بلغ الليل والنهار، فيملأ الكون أمنا وعدلا، فيا طغاة العالم إننا لنحسّ بأُنس نسمات الهجرة النبوية ونجد شذاها في أجوائنا ينبعث ليعوضنا عن رائحة الظلم والبغي وجبروت الطواغيت الذي ملأ علينا دنيانا فأفسدها، فلا خوف علينا إذا استعلن الطوفان الذي يوشك أن يطهّر أرض الإسراء والمعراج ويلتفت إلى فسحة من الأرض أفسدها ظلم الظالمين واستكبار المستكبرين.

لا هجرة بعد الفتح، فبعد فتح الأرض وقلوب أهلها وعقولهم لا يبقى إلا أن نحسّ بالاطمئنان إلى وعد الله تعالى “إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ یُورِثُهَا مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖوَٱلۡعَـٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِینَ”، فاللهم اجعلنا من المتقين لنكون بعض الطائفة المنصورة الهادر طوفانها ليبلغ مداه، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *