مقالات

حاتم سلامة يكتب: الجاهل الذي تحل علينا ذكراه

شيء سفيه مضحك حينما نرى عقولا جوفاء تحمل ألقابًا أكبر منها، وهي تُنعي اليوم ذكرى هذا الجاهل البغيض الذي أخذه الله مغضوبًا عليه، بعد أن أشبع الدنيا طعنًا في الدين وعبثًا بالثوابت تحت مسمى التفكير والتنوير، وما هو الا الجهل والجحود والعربدة والسفه.

(نصر حامد أبو زيد) يريد بعض المهرجين اليوم أن يجعلوا منه شهيد الفكر والعقل المستنير الذي حاصره الغلو وقتله التشدد.

يريدون اليوم أن يصنعوا له تمثالا يقدسونه ويظلون يدورون حوله يسبحون بحمده ويقدموا له القرابين.

لكن الحقيقة أن هذا المفكر اللوذعي كما يدعون، كان قمة شاهقة في الجهل المدقع الذي يستجلب الاضاحيك والسخرية..

وإذا كان المشكك في الدين والحضارة والتاريخ، على هذا النحو الفاجر من الجهل والغباء، فكيف يقبل زوره، وكيف يستسيغ لوثاته، إلا كل منحل مرتاب.

وصَفَه الشيخ محمد الغزالي بأنَّه “كويفر مخمور مغرور، يتعثَّر في بديهيَّات التارِيخ، ثم يناطِح الجبال الشم!”.

يقول عنه “أزعجني جرأة الجهَّال على الإسلام، ثم نجاتهم من عُقبَى التطاوُل… كنتُ أعرف أنَّ هناك حمَلَة أقلام لا إيمان لهم، لكنِّي لَم أكنْ أعرف أنهم يَكرَهون الله ورسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – على هذا النَّحْو”

وحق للشيخ رحمه الله أن يكون هذا رأيه فنصر أبو زيد، قد فضحته كتاباته التي تعج بالأغاليط والأخطاء التاريخية والعلمية والدينية.

لقد حاولت يومًا أن أقرأ له وأجبرت رغبتي غصبًا أن تُمعن في كتابه، فما رأيت إلا أسلوبًا أعياني، وطريقة أجهدت عقلي، وعبثا كاد أن يتسبب في كراهيتي للقراءة، ناهيك عن الخرف الذي تحمله سطوره ولا يمت إلى الحق والموضوعية بصلة.

ولقد جاء تعبير ووصف الدكتور شاهين لكتابات نصر أبو زيد خير وصف لما وجدته في نفسي وأنا أقرأ له فقد قال شاهين:

“إن أبحاثه جدلية تضرب في جدلية لتخرج بجدلية تلد جدلية تحمل في أحشائها جنينا جدليا متجادلا بذاته مع ذاته، إن صح التصور أو التعبير، وليست هذه سخرية، ولكنها كانت النتيجة التي يخرج بها قارئ الكتاب”

وكذلك الدكتور إبراهيم عوض يقول واصفا منهجه المعيي في الكتابة: ” الدكتور نصر يفكر أسرع مما يكتب، ولا يستقر به الحال عند فكرة إلا لحقها بما يناقضها”

وهذا الجهل الذي طفح به الدكتور نصر ونراه ونضحك منه وعليه، لا يراه من هم على شاكلته ومذهبه ورأيه، بل يتغاضون عنه وينكرونه، ولا يقفون على سقطاته المدوية، لأن ما يهمهم أن الرجل عدو للإسلام هادم للثوابت مفتر على القرآن والسنة.

ولكي يلبسوه ثوب القداسة كما أشرنا زعموا زورا وإفكا أنه ضحية التكفير، وأن الدكتور عبد الصبور شاهين كفره في بحثه للترقية لدرجة الأستاذية، والدكتور شاهين لم يكفر أحدا وما كان له ذلك، فقد نفى تهمة تكفيره لنصر، لكن المرجفين يحلوا لهم أن يكذبوا ليحققوا أغراضهم، حتى نصر نفسه ادعى كذبا أن الدكتور شاهين كفره، يريدون أن يستجلبوا في المعركة تهمة التكفير، ليكسب بها بغيضهم تعاطفا من المتابعين.

والعجيب أن من يراجع تقرير الدكتور شاهين، يرى تعاطفا منه مع كتاب نصر ورفقا به، ولم يتطرق أبدا لشبهة التكفير المزعومة كما ذكر الدكتور عوض.

لقد أثاروا هذه التهمة زيفا حتى -يغلوشوا- على السقطات العلمية التي وقع فيها الدعي.. بل رقاه بعضهم على حد وصفه في مقال له بإحدى الصحف ” نصر حامد أبو زيد ابن رشد المرحلة! دفع ثمن استخدامه العقل أداة لفهم الموروث الديني” وأنا لا أعلم ما قصة ابن رشد المفترى عليه، كلما أرادوا أن يمنحوا وصفا لعربيد من عرابيد العلمانية نعتوه بابن رشد، حتى في فيلم المصير حينما أرادوا أن يجسدوا التنوير في وجه الظلام حلت شخصية ابن رشد، وما كان ابن رشد إلا فقيه مسلم يحترم النصوص ويقدس الثوابت، ولم يكن أبدا على هذا السبيل المنحل المنحرف من الافتراء والتزييف والازدراء للمقدسات.

أما الفضيحة المدوية التي أبانت عوار هذا الجاهل وفضحته على املأ فذلك في كتابه «الإمام الشافعي وتأسيس الأيدولوجية الوسطية» قال: «إن الإمام الشافعي قَبِل التعاون مع الدولة الأموية لكي يعينه بنو أمية واليا على نجران»!!

لقد كانت فضيحة مدوية جعلت منه أضحوكة السنين ومسار السخرية بين القراء والمتابعين لأن الشافعي وُلِدَ بعد انتهاء الدولة الأموية بـ(18) سنة.

ولما أراد الكذوب أن يعالج الفضيحة ويخفف من آثارها زعم في كتابه التفكير في زمن التكفير، بأن ما جاء خطأ مطبعيا، وانه اراد العلويين بدلا من الامويين، وأكد كاذبًا أن هناك تصويبات في آخر الكتاب، في طبعته الاولى، وكل من كان لديه الكتاب في طبعته الأولى، لا يجد أي صفحة للتصويبات كما ذكر مؤلفه كاذبًا، ثم لنا أن نقول: فرضا أنه صادق وأن ما حدث خطأ مطبعي تصيده له المتصيدون، ماذا نقول في بقية ما ورد في ذات النص حيث تكررت كلمة الأمويين أكثر من مرة مما يدلل على أن الرجل يعتقد ويقصد معاصرة الشافعي للأمويين، وأنا هنا أعرض النص ليتبين القارئ فهو يقول : ” لكن أهم صور التعبير عن انحياز الشافعي للقرشية أنه الفقيه الوحيد من فقهاء عصره الذى تعاون مع الأمويين مختارا راضيا، خاصة بعد وفاة استاذه الإمام مالك بن أنس (179هـ)، الذى كان له من الأمويين موقف مشهود بسبب فتواه بفساد بيعة المكره وطلاقه. وموقف الإمام أبى حنيفة (150هـ) الرافض لأدنى صور التعاون معهم رغم سجنه وتعذيبه يكشف إلى أي حد بلغ رفض الفقهاء لعصبية ذلك النظام ولممارساته القمعية ضد جماهير المسلمين إلا أن يكونوا من مؤيديه وأنصاره بشكل مباشر. سعى الشافعي، على عكس سلفه أبو حنيفة وأستاذه مالك، إلى العمل مع الأمويين، فانتهز فرصة قدوم والى اليمن إلى الحجاز وجعل بعض القرشيين يتوسطون له عنده ليلحقه بعمل، فأخذه الوالي معه وولاه عملا بنجران. وإذا كان موقف مالك وأبى حنيفة من النظام العباسي لم يختلف كثيرا عن موقفهم من الأمويين فإن الشافعي كره منهم تخليهم عن “العروبة”، التي كانت سمة بارزة للنظام الأموي، واستنادهم إلى “الفارسية”، الأمر الذي يبرز لنا النزوع العصبي عند الإمام ويفسر لنا الدفاع السابق عن نقاء النص، ونقاء اللسان العربي من ثم، من آفة الدخيل الوافد من الألفاظ. ومما له دلالة في هذا الصدد أن رحيل الشافعي إلى مصر تلا استيلاء المأمون على السلطة بعد صراعه الدامي مع أخيه الأمين، وهو الصراع الذي وجدت فيه الشعوبية الثقافية والفكرية تعبيرها العسكري. تولى المأمون السلطة سنة 198هـ، ورحل الشافعي إلى مصر سنة 199هـ، وكان اختيار مصر بالذات لأن واليها في ذلك الوقت كان قرشيا هاشميا”

انظر هنا.. لقد تكررت كلمة الأمويين أربع مرات، فهل يمكن للخطأ المطبعي أن يتكرر وفي نص واحد أربع مرات ويتجاوز المعنى الذي يقصده المؤلف ولو مرة واحدة؟!

ولما رأى أن حجته واهية كتبها في الطبعات التالية الساسة بدلا من العلويين حتى يخرج من المأزق.

كان الرجل من ملامحه أنه يفتقد إلى الأخلاق والإنسانية كما أثبتنا أنه يفتقد إلى المصداقية، وذلك حينما عير الكاتب الكبير محمد جلال كشك بمرضه -السرطان – وقال إنه لم يشأ أن يرد عليه لمرضه، وهو ما أحزن كشك كثيرا، حتى شاء الله أن يمرض نصر أبو زيد وفي وقت عاجل بفيروس غريب فشل الأطباء في تحديد طريقة علاجه، ودخل في غيبوبة استمرت عدة أيام حتى فارق الحياة في صباح الإثنين 5 يوليو 2010 التاسعة صباحا في مستشفى زايد التخصصي، وتم دفنه في مقابر أسرته بمنطقة قحافة بمدينة طنطا بعد صلاة العصر.

حاتم سلامة

كاتب وصحفي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى