د. حلمي الفقي يكتب: خطاب الكونجرس وخطاب أبي جهل يوم بدر
سيبقي يوم الرابع والعشرين من يوليو وصمة عار في جبين الحضارة الإنسانية عموما، وزعيمتها أمريكا على وجه الخصوص. في هذا اليوم وقف مجرم الحرب بنيامين نتنياهو على منصة الكونجرس الأمريكي يعلن بكل وقاحة استمراره في حرب الإبادة التي يمارسها منذ عشرة أشهر ضد شعب أعزل في قطاع غزة.
وكانت الوقاحة الأكبر والسفالة الأعظم في التصفيق الحاد من نخبة النخبة في الحضارة الغربية، والذين أثبتوا أنهم قوم لا يسمعون ولا يبصرون ولا يعقلون.
والذى يأخذ بالألباب ويذهب بالعقول في هذا الخطاب أمور لا تعد ولا تحصي، فالمتكلم هو بنيامين نتنياهو الذى طالب المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية باعتقاله لمحاكمته على جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية ارتكبها في قطاع غزة، وما زال يقترف أمثالها أضعافا مضاعفة، بعد أن صدر أكثر من قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف الحرب.
ولكن على أي شيء يصفق أعضاء الكونجرس أدعياء التحضر والتمدن، والدفاع عن حقوق الإنسان، أذكر لكم بعضا من هذه الأمور التي تستوجب التصفيق من وجهة نظرهم:
1- إنهم يصفقون لقرار منع الماء والطعام عن الأبرياء في قطاع غزة وموت الاف الأبرياء عطشا وجوعا
2- إنهم يصفقون لمنع نتنياهو للكهرباء عن القطاع وموت الالاف في الطرقات وعلى أسرة المستشفيات بسبب قطع الكهرباء
3- بل لعلهم يصفقون للحصار الظالم الذي منع دخول الدواء ومستلزمات المشافي، وأجهز على الالاف لعدم وجود الدواء
4- بل ربما يصفقون لاقتحام قوات الاحتلال لقطاع غزة وتدمير ما تبقي من مشافي متهالكة واعتقال الأطباء والأبرياء بالآلاف وتعذيبهم داخل سجون الاحتلال حتى الموت
5- ربما يصفقون للحصار الظالم الذي منع عن غزة كل مقومات الحياة.
والأغرب من هذا كله أن يقف نتنياهو أمام الكونجرس مدعيا أنه يحارب من أجل الفضيلة، كالقحبة التي تحاضر في الشرف، ومتهما إيران بإعدام الشواذ جنسيا، وبإعدام النساء اللاتي لا يغطين رؤوسهن، والحقيقة الواضحة غاية الوضوح، أن حجاب المرأة فريضة في اليهودية والنصرانية والإسلام، والشذوذ الجنسي حرام في اليهودية والنصرانية والإسلام، فإذا كانت إيران تعدم الشواذ لأنهم شواذ، حسب ادعاءه، فهو يقتل الشرفاء في غزة بسبب شرفهم وطهرهم وعفتهم هذا جرمهم أنهم أطهار شرفاء أعفاء، كما قال ربنا سبحانه وتعالى: {أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}.
وإذا كانت إيران تعدم النساء اللاتي لا يغطين رؤوسهن كما يدعى، فنتنياهو يقتل النساء في غزة لأنهن يغطين رؤوسهن، فأي الجريمتين أقبح وأوقح
والحقيقة أن خطاب نتنياهو في الكونجرس الأمريكي في يوم الرابع والعشرين من يوليو يتشابه في أوجه كثيرة مع خطاب أبي جهل صبيحة يوم بدر، فعن عبد الله بن ثعلبة أن أبا جهل قال حين التقى القوم يوم بدر: «اللهم أينا أقطعُ للرحم، وآتانا بما لا يُعرف، فأحِنْه الغداة»! -أي فأهلكه اليوم- فكان ذلك استفتاحه، فأنزل الله في ذلك: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) رواه أحمد في المسند، وابن ابي شيبة في المصنف، والحاكم في المستدرك، وغيرهم
وروى الطبري في تفسيره، عن الزهري في قوله تعالي: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح)، قال: استفتح أبو جهل فقال: اللهم -يعني محمدًا ونفسه – «أيُّنا كان أفجرَ لك، اللهم وأينا أقطعَ للرحم، فأحِنْه اليوم» أي أهلكه اليوم فقال الله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح)
وفى رواية أخرى عند الطبراني أيضا كان أبو جهل بن هشام يقول في صبيحة يوم بدر: «اللهم أيُّنا كان أفجر لك وأقطعَ للرحم، فأحنه اليوم!» يعني محمدًا عليه الصلاة والسلام ونفسه. قال الله عز وجل: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح)، فضربه ابنا عفراء: عوف ومعوِّذ، وأجهزَ عليه ابن مسعود.
وما أقرب الشبه بين خطاب نتنياهو في الكونجرس، وخطاب أبي جهل يوم الفرقان يوم التقي الجمعان، يوم بدر الكبرى
فإذا كان نتنياهو ذهب إلى أمريكا يستنصرهم، ويتقوى بهم، فنحن نستنصر بالله، ونتقوى به، ونستعين به، وكما توعد ربنا أبا جهل وجنده، فوعيده قائم في كل زمن لكل عصبة بغت واعتدت، وظلمت وقتلت، كما فعل الاحتلال في قطاع غزة، قال ربنا تبارك وتعالى: {إِن تَسۡتَفۡتِحُواْ فَقَدۡ جَآءَكُمُ ٱلۡفَتۡحُۖ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدۡ وَلَن تُغۡنِيَ عَنكُمۡ فِئَتُكُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَوۡ كَثُرَتۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} [الأنفال: 19]