مضر أبو الهيجاء يكتب: فك الالتباس في موقفي من حركة حماس (4-5)
ورثت الحركات الإسلامية من البيئة العربية الجاهلية قاعدة غير شرعية ولا تعبر عن الرشد ولا المسؤولية، ومضمونها التوقف عن النقد في زمن المعارك حتى وإن كان مختصا بتفاصيلها التي يورث التعامي عنها وتأجيلها لتضخم كرة الأخطاء ومآلاتها على الدماء وتضييع جوانب الدين وأحكامه!
إن آلية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -النقد الناصح- هي الوسيلة التي حفظ الله بها نقاء الدين، ولا يجوز الفصل عند الموحدين بين واجب القيام بالأمر بالمعروف والقيام بواجب النهي عن المنكر، فالفصل بينهما شرعة الضالين.
الأمر بالمعروف لحماس والنهي عن المنكر لعباس!
لقد انبرى طائفة من الدعاة والمصلحين للحديث عن أخطاء وآثام السلطة الفلسطينية وحركة فتح معتبرين البراءة من محمود عباس رئيس السلطة واجب شرعي وأخلاقي، فيما صمت بعضهم عن أخطاء قيادة حركة حماس وأغمضوا أعينهم أمام منعرجات غير شرعية وقعت بها وأحدثتها، ثم لم يكتفوا بالصمت بل شككوا في نوايا وارتباطات كل من تحدث منتقدا ناصحا لإخوانه.
إن المنهج الأعوج المتبع من قبل بعض الدعاة وعلماء التنظيم في الحديث عن المعروف والصمت عن المنكرات في زمن المعارك، هو منهج غير شرعي ولا مستنبط من قرآن ولا سنة ولا سيرة، بل هو انعكاس لعصبية جاهلية وحمية بلا هدى ولا رشاد، فمعاركنا في فلسطين ليست معارك ثيران ووحوش برية، بل دين واجب نتعبد الله به وله أحكامه كما هي أحكام الصيام والصلاة والبيوع والمعاملات وهي مبثوثة في آي القرآن الكريم والسنة المطهرة وسيرة وسلوك الصحابة البررة، وللعلماء المجتهدين باع مطروح في مسائل السياسة الشرعية، التي باتت مصطلحا خادعا دون مضمون في اجتهادات كثير من الإسلاميين الجدد الأمر الذي أحدث في مسار حركات التغيير والتحرير كوارث سياسية دفعت شعوب الأمة فيها الدماء وجنت الحسرات والخسارات، وحلت بسببها لعنات السماء وفق السنن الكونية.
لإيران المغانم ولنا المغارم
لم تنتعش إيران ولم ينتفش مشروعها منذ أن قتلت ملايينا من أهل العراق واليمن والشام في العقدين الأخيرين كما انتفشت اليوم في ظل معارك الطوفان، للدرجة التي ارتبط فيها العلو الإيراني والامتداد السياسي طردا مع شهيد يسقط من شهدائنا الأبرار ومع كل بطولة من بطولات مجاهدينا الكبار!
لم يحدث هذا العلو والارتفاع في الخط البياني للمشروع الإيراني إلا نتيجة لخلل الارتباط بين محور إيران وبين القضية الفلسطينية، والذي أحدثته القيادات الحمساوية، كما لم تتوسع شرعية إيران بين شعوب الأمة وفي وعيها ونفوسها الا نتيجة الطرح الحمساوي الذي أعلى من شأن قيادات ملالي إيران وأذرعها لحد تجاوز الصغائر واجتراح الكبائر الموجبة للعنة والهزيمة، ورغم عظم بطولاتنا وحجم تضحياتنا وزكاوة دماء ونفوس شهدائنا، فما ومن الذي أوصلنا لهذا الحال مطعون الشرعية وفاقد الأخلاقية السياسية وضعيف الانتماء لقضايا الأمة؟
من المؤكد أننا ما كنا لنصل لهذا المستوى والتوسع لو قام العلماء الربيون ورثة النبيين بأمر قيادات حماس بالمعروف ونهيهم عن المنكر، بعيدا عن العقلية العصبوية التي توجب الصمت تجاه من يديرون الميادين الجهادية مهما كانوا مخطئين؟
التوبة الواجبة في حق قيادة حركة حماس الحالية
كما أن التوبة واجبة في حق الفرد فإنها واجبة في حق الجماعة، وإذا كانت شروط التوبة ثلاثة هي الندم والإقلاع والتعهد بعدم العودة للمعصية، فإن توبة جماعات التغيير لا تكون بكثرة قراءة القرآن ولا حفظه ونشر دوره -رغم خيريته- بل تكون في معالجة الأخطاء والتراجع عن الكبائر السياسية الموجبة للهزيمة، ومهما تكررت وتعاظمت البطولات وظهر السهم الأحمر ليفرح قلوبنا ويوجع الأعداء، فإن من يكتبون الخطاب لأبي عبيدة -حفظه وحفظهم الله- يوجعون قلوب الأمة المكلومة بشكرهم وثنائهم على عدو قاتل لأبنائهم ومغتصب لنسائهم ومحتل لبلادهم وسارق لثرواتهم، والأدهى أنهم يتجاوزون قضية الشكر إلى تلويث وعي الأمة ويلبسون الحق باطلا ويروجون لمنظومة الملالي المعادية والمعتدية على الأمة حينما يطرحون حلفهم مع إيران على أنه تحقيق للوحدة الإسلامية، وعندما يصفون تفاعل الأذرع الإيرانية المدروس على أنه فعل وقول وعمل صادق نحو تحرير الأقصى المبارك وفلسطين، فإن لم يكن هذا هو التطفيف فماذا يكون؟
إن خطورة حلف حركة حماس مع إيران بعد طوفان الأقصى، وتجاوزها الحد في شكرها والتلبيس على الناس بتكتيكات مواقفها، وإخفاء حقيقة مشروعها الطائفي، تكمن في كونها دعوة لجماهير الأمة للتحشد خلف إيران وتحت راياتها والثقة بها بدل التحذير منها، الأمر الذي يطعن في حمل أمانة الرسالة، فلا تعجبن غدا إن رأيت جماهير المسلمين يهتفون يا حسين ويلطمون الوجوه ويسيرون خلف قيادات الفروع والأذرع الإيرانية في الدول العربية السنية!
وحينها من سيقنع جماهير المسلمين بأن قيادات حماس كانت تمارس تكتيكا وسياسة؟
يتبع