التنافس المصري الإثيوبي والوساطة التركية هل تكتبان نهاية للأزمة الصومالية أم تؤجج الصراعات؟
في الأول من يناير 2024 قال مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، إن إثيوبيا وقعت مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال الانفصالي لاستخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر، مضيفا خلال مراسم التوقيع مع رئيس إقليم أرض الصومال موسى بيهي عبدي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا: “تم الاتفاق على هذا الآن مع أشقائنا في أرض الصومال، وتم التوقيع على مذكرة تفاهم اليوم”.
ومن جانبه قال عبدي إنه في إطار هذا الاتفاق ستكون إثيوبيا أيضا أول دولة تعترف بأرض الصومال كدولة مستقلة في الوقت المناسب. ولم تحصل أرض الصومال على اعتراف دولي، رغم إعلانها الحكم الذاتي عن الصومال في عام 1991. وتقول الصومال إن أرض الصومال جزء من أراضيها.
وبحسب دراسة لمركز امد للدراسات السياسية فإن مذكرة التفاهم أثارت العديد من المخاوف لدى القاهرة، خاصة في ظل الإجراءات الأحادية الإثيوبية، فضلا عن كونها ستفتح “جبهة صراع جديدة” بين الجانبين على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، يضاف إلى النزاع الممتد على مدار سنوات بشأن ملف سد النهضة، والذي أفضى إلى انتهاء المسارات التفاوضية نتيجة المواقف الإثيوبية.
لذلك وفي الثالث من يناير، سارعت مصر إلى إبداء رفضها على توقيع مذكرة التفاهم، وأكدت الخارجية المصرية، “ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية على كامل أراضيها، وأجرت القاهرة اتصالات مع الجانب الصومالي، ما دفع مقديشو، إلى دعوة وفد مصري رفيع المستوى نقل للرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، دعم نظيره المصري عبد الفتاح السيسي لسيادة ووحدة الأراضي الصومالية، مشدداً على معارضة القاهرة لأي تعدٍ على تلك المبادئ.
وفي السادس من يناير أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، أنه وقع قانوناً يُبطل مذكرة التفاهم المثيرة للجدل التي أبرمتها منطقة أرض الصومال الانفصالية وإثيوبيا، وقال: “بدعم من مشرعينا وشعبنا، يُعد هذا القانون مثالاً على التزامنا بحماية وحدتنا وسيادتنا وسلامة أراضينا وفقاً للقانون الدولي”.
وفي المقابل، ردّت إثيوبيا بأن مذكرة التفاهم التي أبرمتها مع منطقة أرض الصومال، لم تخالف قانوناً، ولم تنتهك سيادة دولة الصومال. مشيرة إلى أنها مذكرة تمهيدية، وأن “الاتفاق لم ير النور بعد”.
الأزمة والصراع الممتد في القرن الأفريقي
الدراسة أشارت إلي أنه منذ أن فقدت إثيوبيا سواحلها على البحر الأحمر عقب استقلال إريتريا في العام 1993 باتت طموحات أديس أبابا الإمبراطورية للهيمنة على القرن الأفريقي مرهونة بإيجاد موطئ لقدمها على البحر الأحمر مرة أخرى، فمنذ فقدانها سواحل إريتريا يزعم الإثيوبيون أن بلادهم تعرضت لعملية سطو لجزء أصيل من أراضيها، وذلك على الرغم من أن إريتريا حصلت على استقلالها من خلال تفعيل مواد الدستور الإثيوبي التي منحت أسمرا الحق في استعادة استقلالها.
ومنذ 1992 اعتمدت إثيوبيا على جيبوتي في نقل أكثر من 95% من وارداتها وصادراتها، لكن جيبوتي تفرض على إثيوبيا رسوما للموانئ بما يتجاوز مليار دولار سنويا، وهو الأمر الذي أنهك الاقتصاد الإثيوبي المنهك بالفعل، والذي وصل إلى حد أن فشل في سداد ديونه الخارجية مؤخرا، مما جعل الوصول المباشر إلى البحر الأحمر طوق نجاة له.
وفي عام 2006 تدخلت إثيوبيا عسكريا في الصومال وأوقعت هزيمة كبيرة باتحاد المحاكم الإسلامية الذي كان يسيطر على أجزاء من البلاد، وهو ما اعتبرته حركة الشباب غزوا تطور إلى احتلال إثيوبي، وذلك بالنظر إلى أن القوات الإثيوبية الغازية تحولت لتصبح أكبر الكتائب المشاركة في قوات حفظ السلام بالبلاد.
وبموجب الاتفاق مع أرض الصومال، ستؤمّن إثيوبيا وصولا أقل تكلفة وأكثر اعتمادية إلى البحر الأحمر عبر ميناء بربرة، وذلك باستئجار شريط ساحلي بطول 20 كيلومترا لمدة 50 عاما يسمح لها أيضا ببناء قاعدة بحرية وتطوير ميناء تجاري على خليج عدن الإستراتيجي، وهي منطقة -على عكس جيبوتي- ليست مركزا إقليميا، على الأقل حتى الآن.
ويتضمن الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال العديد من بنود التعاون، بما في ذلك بنود لجلب الاستثمار إلى ميناء بربرة وعلى طول الممر التجاري بربرة-هرجيسا -واجالي، وستحصل أرض الصومال -بموجب الاتفاق- على حصة 20% من الخطوط الجوية الإثيوبية، بالإضافة إلى تعاون عسكري على مستوى عال مع أديس أبابا، ولكن يبقى السؤال هو ما إذا كانت إثيوبيا ستعترف رسميا باستقلال أرض الصومال، وهو الأمر الذي أصبح أكثر إلحاحا وتعقيدا بعد اكتشاف احتياطيات النفط مؤخرا قبالة ساحل أرض الصومال، وهو ما يحرص الطرفان على عدم الترويج له.
التنافس الإقليمي وحدود الصراع على الصومال
وفقا للدراسة فقد وجدت الحكومة الصومالية نفسها بين المطرقة والسندان، لأن تحدي أديس أبابا قد تكون له تداعيات على الأمن الصومالي، بالنظر إلى أن القوات الإثيوبية تشكل واحدة من أكبر الوحدات بين مجموعات حفظ السلام في الصومال
أما مصر فبالنظر إلى نزاعها مع إثيوبيا بشأن مياه النيل فإنها تخشى منافسة محتملة في البحر الأحمر، ومن أن الصفقة محاولة من أديس أبابا لزعزعة استقرار المنطقة وتأكيد هيمنتها، أما إريتريا، فقد أدت طموحات إثيوبيا المتجددة إلى إشعال التوترات القديمة مع إثيوبيا، وهو ما دفع إريتريا إلى السعي للتقارب مع الصومال
أما الاتحاد الأفريقي فقد أعرب عن قلقه وحث جميع الأطراف على ممارسة “ضبط النفس ووقف التصعيد”، فبعد الموجة الأخيرة من الانقلابات العسكرية التي شهدتها القارة تخشى المنظمة أن تسفر الاتفاقية بين أرض الصومال وإثيوبيا عن تجدد عدم الاستقرار في القرن الأفريقي قد يؤدي إلى نزاع مسلح.
وعلى الرغم من أن الاتحاد الأفريقي يخشى في الوقت ذاته من أن تؤدي الاتفاقية إلى تأسيس سابقة لحركات انفصالية أخرى في القارة فإن هذا التخوف يبدو متعارضا مع تعمد لجنة تقصي الحقائق التابعة للاتحاد الأفريقي في العام 2005، والتي خلصت إلى أن مطالبة أرض الصومال بالاستقلال تعد فريدة من نوعها تاريخيًا ومبررة ذاتيا، وبدا الاتحاد الأفريقي بذلك الوصف الذي أتت عليه لجنة تقصيه للحقائق -المسيطر عليها من جانب إثيوبيا الدولة المضيفة للاتحاد الأفريقي- وكأنه يبقي الباب لاستقلال محتمل لأرض الصومال.
الوساطة التركية والتنسيق المصري الصومالي
في الثاني من يوليو 2024، أعلنت تركيا أنها توسطت في محادثات بين الصومال وإثيوبيا لحل خلاف بشأن اتفاق استئجار ميناء، وقعته أديس أبابا مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، وقالت وزارة الخارجية التركية إن الوزير هاكان فيدان استضاف نظيريه الإثيوبي والصومالي في أنقرة، مضيفة أن الوزراء الثلاثة وقعوا على بيان مشترك بعد محادثات “صريحة وودية وتستشرف المستقبل” فيما يتعلق بحل الخلافات بين البلدين.
وأضافت الوزارة، أن الوزيرين الصومالي والإثيوبي ناقشا سبل حل الخلافات بين البلدين “ضمن إطار مقبول للطرفين” واتفقا على عقد جولة أخرى من المحادثات في الثاني من سبتمبر/ أيلول 2024 بالعاصمة التركية أنقرة.
من جهتها، قالت وزارة الخارجية الإثيوبية إن الوزيرين تمكنا من خلال تسهيلات تركية من إجراء حوار غير مباشر بشأن الخلافات بين الجانبين، واستكشاف وجهات النظر نحو معالجتها ضمن إطار مقبول للطرفين، وأكد وزيرا الدولتين التزامهما بالحل السلمي للخلافات، واتفقا على مواصلة الحوار بهدف حل القضايا العالقة وضمان الاستقرار الإقليمي”.
أما حكومة الصومال، فعبّرت عن تقديرها للدور التركي في دعم استقرار المنطقة مؤكدة على أهمية الحوار البناء في حل الأزمات الإقليمية، خاصة وأن تركيا أصبحت حليفاً وثيقاً للحكومة الصومالية منذ زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان لمقديشو لأول مرة في 2011، وتقوم بإمدادها بمساعدات تنموية وتساهم في تدريب قوات الأمن.
ووقع البلدان اتفاقية للدفاع المشترك في فبراير 2024، تُقدم من خلالها تركيا الدعم الأمني البحري للصومال لمساعدته في الدفاع عن مياهه الإقليمية.
وبعد هذا الإعلان التركي، وتحديداً في في الرابع من يوليو 2024، أكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي رفضهما أي إجراءات أحادية من شأنها الإضرار باستقرار منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر وضرورة التزام دول الإقليم كافة بأطر التعاون، بما يحقق الاستقرار والتنمية”.
جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه الطرفان اللذان رحبا بالزخم الذي يشهده التعاون بين البلدين في الفترة الأخيرة، وحرصهما على توسيع آفاقه لتشمل مختلف المجالات، بما يتفق مع الروابط الأخوية بين الشعبين”.
وأكد السيسي حرص مصر على أمن واستقرار وسيادة الصومال على أراضيه، ودعمها له في مواجهة مختلف التحديات الأمنية والتنموية”.
وتعزيزاً لدورها وحضورها في الملف الصومالي، وفي 19 يوليو/ 2024، أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار أن بلاده تعتزم التنقيب عن النفط والغاز في 3 مناطق قبالة السواحل الصومالية، جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقب حضوره حفل توقيع اتفاقية بين أنقرة ومقديشو في إسطنبول بشأن التنقيب عن الهيدروكربون وإنتاجه، مع وزير النفط والثروة المعدنية الصومالي عبد الرزاق عمر محمد.
وأوضح بيرقدار أن تركيا باتت واحدة من الدول التي تمتلك أهم أساطيل سفن التنقيب في أعماق البحار، وأشار إلى أن تركيا لا تعمل على التنقيب في مياهها الإقليمية فحسب، بل ستجري عمليات تنقيب في سواحل دول عدة، وأن الاتفاقية المبرمة مع الصومال دليل على ذلك، وأن سفينة الريس عروج التركية للأبحاث ستتوجه إلى الصومال (من أجل التنقيب) مع سفن الدعم نهاية سبتمبر 2024.
وأمام طموحات إثيوبيا في الهيمنة من جانب وسعي أرض الصومال إلى الاعتراف بها من جانب آخر، فإن ذلك يمكن أن يعزز احتمالات زيادة التوترات الجيوسياسية وتغيير الولاءات الإقليمية، ومن بين تلك التغيرات المحتملة حدوث تقارب بين مقديشو والقاهرة، وكذلك تعاون أوثق بين مصر وإريتريا.
وفي المقابل تصادم بين أديس أبابا وأسمرا، إلا أن تطور التحالفات باتجاه يدفع نحو المواجهة المسلحة بين الأطراف المختلفة يعتمد على درجة التحالفات مع الصومال، وهو الأمر الذي لم يتبلور وخاصة مع دخول تركيا على خط الأزمة وعلاقاتها الجيدة مع كل من إثيوبيا والصومال، وحرصها على تهدئة الأوضاع في الصومال حفاظاً على استثماراتها ومصالحها الاقتصادية فيها، وخاصة بعد الحديث عن مشروعات التنقيب عن الغاز أمام السواحل الصومالية.
ومن ناحية ثانية، من شأن تمسك إثيوبيا بمواقفها أن يدفع إلى تعزيز التنسيق والتعاون بين جيبوتي وكل من مصر والصومال وإريتريا بالتزامن مع ارتفاع المنافسة بينها وبين أرض الصومال، على حساب عملية بناء الدولة الجارية في الصومال.
من المهم الإشارة إلي أن احتمالية تنامي التوترات المتصاعدة من شأنها أن تؤدي إلى صراع إقليمي مسلح يشمل العديد من اللاعبين الفاعلين، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من الانقسام، وأحد دوافع هذا التنامي في التوتر هو سياسة آبي أحمد لإحياء القومية الإثيوبية لحشد الإثيوبيين ضد عدو خارجي، كما أن استمرار وتصاعد حدة الصراعات الداخلية يوفر المناخ الداعم لإشعال حرب إقليمية، مثلما حدث عند تصعيد الاشتباكات المسلحة في مدينة لاس عانود، العاصمة الإدارية لمنطقة سول في أرض الصومال المتنازع عليها، والتي تقع على طول وادي نوجال الغني بالنفط بين أرض الصومال وبونتلاند.
ومن ناحية ثالثة، إذا كانت المواجهة الحالية تشهد ظهور أطراف مباشرة مثل تركيا ومصر وإثيوبيا، فإن هناك أطراف أخرى قد لا يقل تأثيرها في إدارة المشهد عن هذه الدول مثل، الإمارات العربية المتحدة، الولايات المتحدة، بريطانيا، الصين، وذلك في ظل تنامي التنافس الإقليمي والدولي ليس فقط على الصومال، ولكن على القرن الأفريقي بصفة عامة، والبيئة مواتية لتنامي حدة الصراعات، في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تمر بها السودان في الشمال، وكينيا في الجنوب، وفشل الدولة في جنوب السودان، وتوتر العلاقات بين السودان وأفريقيا الوسطى.
ومن هنا يجب الإشارة إلي أن هذه التداخلات بين المحلي والإقليمي والدولي والدرجة العالية من التعقيد في الملفات والقضايا، تعزز من احتمالات الصراع على احتمالات التعاون والاستقرار في هذه المنطقة، في ظل تراجع الدور المصري، وتمدد الدور الإثيوبي، ومحدودية الدور التركي على الحسم.