الطريق إلى العزة القعساء يمر بـ: «قنطرة العناء»!
بقلم: محمد نعمان الدين الندوي
(هذه المقالة مهداة للشباب والطلاب خاصة)
من الذي لا يحب الشرف والعزة ؟؟
فكل واحد يتمناها ويرجوها..
ولكن العزة لا تُنال بالراحة.. أو بالأماني..
إنها – العزة – شيء صعب المنال.. و دونها شوك وقتاد..
والعزة قمة.. الصعود إليها يحتاج إلى الهمة القعساء..
العزة طريقها مفروش بالصخور والجنادل والعقبات.. لا يجتازها إلا أولو العزم من الرجال..
العزة تحتاج إلى تضحية.. تضحية بالنوم والراحة.. بالمحَب المشتَهى.. بالعزيز الغالي..
العزة ثمنها باهض.. ونيلها مكلِّف..
فالذي لا يضحي بما يشتهي.. لا يحلمْ بالعزة والشرف..
والذي يحلم بالعزة بدون التضحية.. يعيش في جنة الحمقاء..
فلا شك أن نيلَ العزة وتحقيقَ المقاصد العليا يتطلب التضحية بالراحة واللذة والمتعة.. وقد قالوا قديما : « من كانت بدايته محرقة، كانت نهايته مشرقة ».
كما أعجبني قول أديب: [أنا لا أحب النوم ولا أستريح إلى الراحة].
قائل هذا القول كان ضريرًا.. ولكنه كان بصير الشعور.. عظيم الطموح.. عالي الهمة.. تواقًا إلى المعالي..
فعاهته لم تحل بينه وبين طموحه.. فسبق بجده وعزمه كثيرًا من معاصريه المتمتعين بنعمة البصر..
وفي ذلك درس عظيم للناظرين المعتبرين… أن الإنسان إذا كان طماحًا إلى المجد صبارًا على الشدائد.. فالعوائق والعاهات لا تقف حائلة دون طموحه وبلوغه المعالي..
فالطموح والهمة والجد والصبر والمصابرة تتغلب على كل مشكلة، وتجوز كل مرحلة، وتعبر كل قنطرة…
إن أصحاب الهمم والعزائم يستهينون بما يواجهونه من عقبات، ويستخفون ما يعترض سبيلهم من أشواك وقتاد في طريق آمالهم وطموحاتهم، كما قال الشاعر :
وإذا كانت النفوس كبارًا
تعبت في مرادها الأجسام
إن الذين يتوقون العزة – من أي أمة – لا يعرفون شيئا اسمه: «صعب» أو: «غير ممكن» أو: «فوق القدرة»..، فقد قرأنا في الكتب من أخبار: «نوادر الهمة والعزم والإرادة» ما يحير الألباب ويدهش العقول، فمنها ما ذكر في بعض الكتب أن صحفيًا سأل القائد والحاكم الفرنسي الشهير نبولين بونا بورت (nipolean Bonaparte) الذي يعد من عظماء القواد، والذي دوّخ العالم بمهماته العسكرية -في أواسط القرن الثامن عشر- التي غيرت خريطة أوربا آنذاك، سأله صحفي: ما سر نجاحك؟ فقال: «سر نجاحي عزم جندي».. ثم ضرب لذلك مثالًا عمليًا قائلًا: «شد وثاق أي جندي من جنودي، ثم ألقه في أسفل حفرة لأعلى جبل من جبال أوربا، ثم اسأله: هل تستطيع أن ترتقي إلى قمة هذا الجبل؟ سيجيبك: نعم.. يا سيدي!
ما أعلاها من همة.. وما أعظمها من عزمة.. جندي عامّيّ -رغم كونه مقيدًا مغلولًا- يتقبل التحدي -وهو كله عزم وهمة!- بقوله: نعم يا سيدي! ولم لا يقول الجندي ما يقول.. فقد كان قائده – نبولين – يقول:
«Impossible is Word to be found only in the dictionary of fools»
أي أن كلمة: «غير ممكن» لا توجد إلا في قاموس السفهاء.
فصاحب الهمة لا يصاب بالدهشة أو الحيرة مهما كانت العوائق أو المحبطات.. فلا تهمه الحوادث، ولا تهزه الأراجيف، ولا تزعزعه الظروف والتوجسات..
وقد أعجبتني كلمة في: الحيرة.. قالها بعض الحكماء:
[هناك حيرة.. هذه الحيرة.. تحيط بالجاهل، ولكن العالم يحيط بها].
نعم! العالم بثمن النجاح وقيمة العزة لا يحفل بمشكلات الطريق.. فلا يدهش ولا يخور ولا يحار.. بل يمضي قدمًا.. غير ملتفتٍ يمينًا ولا شمالًا.. لا يهمه إلا هدفه الذي وضعه نصب عينيه، وقديمًا قال الصوفية: «الملتفت لا يصل»..، وقال الشاعر:
لكل امرئ غرض يسعى ليدركه
والحر يجعل إحراز العلا غرضه
قال الكاتب الفرنسي آندرے جيد (Andre Gide (1869- 1951:
«الأديب الحقيقي لا يعطي القبر إلا العظام»..
وهذه المقولة تنطبق على كل صاحب اختصاص وكل تواق إلى العزة والعظمة.. فهو – المشار إليه آنفًا – يجدّ ويكدح ويظل عاملًا كادحًا لا يني ولا يخور إلى أن يلفظ نفسه الأخير..
والحقيقة أن التواق إلى العزة والكرامة لا بد له أن يكون ذا همة وصبر ومصابرة.. ورجل الهمة هو الذي يصل إلى القمة ويصنع المعجزات.. وقد قالوا:
«رجل ذو همة يستطيع أن يحيي أمة»، وأيضًا قالوا:
«إن واحدًا قد يساوي ألفًا، ورجلًا قد يزن أمة بأكملها».
فيا هاوي العزة والكرامة: طلِّق الراحة.. واجعل التعب والعناء رفيق حياتك.. فاتعب واجتهد.. ولا تسترح.. تنل بغيتك وتظفر بحاجتك!
وصدق الله العظيم:
{فإذا فرغت فانصب}
وكما كان قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها حينما شرف بأعباء النبوة: « مضى عهد النوم يا خديجة ». (١)
الهوامش
(١) ذكره سيد قطب في ظلال القرآن في تفسير سورة المزمل.
(ليلة ليلة الاثنين: ٢٢ من محرم ١٤٤٦ھ – ٢٨ من يوليو ٢٠٢٤م )