علي بركات يكتب: الشهيد هنيه.. وغدر المسوخ
في عالم السياسة المعاصر، كل الخيارات مُرحّب بها دون منطق يبررها إذا ما توافقت مع المصالح الاستراتيجية الكبرى، فتخليق المصلحة وافتعال الحدث أو سلسة من الأحداث للصيد، ما هو إلا دورة من دورات البرجماتية السياسية الميكيافيلية، التي تبرر الوسيلة لبلوغ الغاية، فإذا كان العمل السياسي بذاته يدفع المرء دفعًا ليمارس ميكانزم التقيه، فما بال رجل السياسة الذي يوجب عليه مذهبة الديني العيش في التقيه، فهل يأمن جانبه؟!، فالسماء تشهد، والأرض تشهد، والتاريخ يشهد، وحتى الحجر الأصم على شاهق الجبال يشهد!، أن ورثة (أبو لؤلؤة الفارسي) والخائن (العلقمي) الوزير الثاني في دولة الخلافة العباسية وحليف (هولاكو) لا يأمن لهم جانب.
القضية الفلسطينية ودول الجامعة العربية السبع
نعلم علم اليقين أن حركة المقاومة في فلسطين تمارس العمل السياسي مع جميع الأطراف متلحفة بفن الممكن، ويضطرها التخاذل العربي وفي المقدمة منهم دول الطوق (مصر وسوريا والأردن ولبنان والسعودية واليمن والعراق) التي شكلها النظام العالمي قُبيل عام من إعلان دولة الكيان الإسرائيلي في العام ١٩٤٧، بعد منح تلك الدول السبع استقلالاً صوريًا.. ومن ثَمَّ تصنيع نظم حاكمه تلعب دورًا محوريًا في تجذير الوجود الإسرائيلي بافتعال حروب مُمَسرحه لفرش توجه عام يكسر همة الأمه ويحيلها عجز، لتبرر الجلوس على طاولة المفاوضات مع العدو، والذي على إثره تحولت القوى العسكرية لدول الطوق إلي صوت دبلوماسي رُهيّف يلهث خلف كل الخيارات (مستثنيًا) الخيار العسكري!، بل تناست جيوش دول الطوق دورها العسكري وأضحت طوق من حديد يطوق أهلنا في فلسطين بشكل عام وخنق قطاع غزه بشكلٍ خاص!
حركة المقاومة الفلسطينية حماس والتخاذل العربي
في ظل هذا التطويق المُفرِط من (نظم) دول الطوق الذي توسّع ليشمل (نظم) الدول العربية مجتمعه (لا يُستثنى منها منظمة التحرير وحركة فتح الامتداد الفعلي للمنظمة)، اضطرت قوى السعي للتحرر وفى المقدمة منها حركة حماس للبحث عن بديل يمد لها يد العون (بعد الله)، فكانت إيران البلد الذي ارتأت أن مصالحه الاستراتيجية تحتم علية مساعدة الحركة، لأسباب بعيدة كل البعد عما تعلنه ايران من (تحرير الأقصى وفلسطين) في المنتديات الإعلامية..، بل لتخليق ظرف يضمن لها إنتاج مصالح مستديمة في المواجهة الشكلية مع الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الامريكية، والذى تستثمره واشنطن في منطقة الخليج لتبرير بقاء قواعدها العسكرية هناك ..وهذه معضلة كبرى اخري سنتناولها في حينها ان شاء الله في مقالة منفرده.
الضجيج الذي سبق اغتيال إسماعيل هنية وتخليق المصالح
جدير بالإشارة أن اغتيال الشهيد إسماعيل هنيه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، جاء وسط ضجيج من الاحداث التي سبقت استشهاد هنيه.. تمثل هذا الضجيج في اغتيال فؤاد شُكر القائد العسكري والرجل الثاني لحزب حسن نصر الله في جنوب بيروت، وقد سبق تصفية فؤاد شُكر.. اغتيال إسرائيل لستة من القادة العسكريين في الحزب!، ثمة علامة استفهام تلح لطرحها بشغف.. هل هذا الضجيج الذي أشرنا إليه سلفًا يُبرّء ساحة إيران من الضلوع في تمكين الكيان من اغتيال الشهيد إسماعيل هنيه؟، الحدس والمعطيات التاريخية قديمًا وحديثًا تجرنا جرًا عنيفًا نحو الظن الذي يبلغ مبلغ التواتر.. أن طهران متورطة في اغتيال إسماعيل هنيه.. مقابل صفقة بين طهران والكيان، ويقينًا بموافقة اميركا.. الصفقة لا تخرج عن السياق الذي المحنا اليه (تخليق المصالح المشتركة) بين الثلاثي الإيراني الإسرائيلي الأميركي.
صفقة التبادل تصديقًا لمقولة مَنْ تخادع لي فقد خادعته
بعد طول أمد الحرب على غزه دون حسم المعركة، شعرت إدارة نتنياهو في الكنيست الإسرائيلي بالحاجة للقيام بعمل يُطمئن الداخل الإسرائيلي بتفوق نتنياهو في الصراع الحالي.. ويُخرج نتنياهو من العزلة عن الدوائر السياسية المحيطة به، فكان الخيار على تصفية رجل إيران الأول في لبنان وزعيم الحزب حسن نصر الله، وقد كان اغتيال فؤاد شُكر الرجل الثاني في الحزب بعد نصر الله رسالة ضمنية بأن الهدف القادم لإسرائيل سيكون زعيم الحزب الأول حسن نصر الله.. ووفق هذا التشوف ارتأت إيران غدرًا.. تسليم الشهيد إسماعيل هنية لإسرائيل لتصفيته في طهران ووسط الحرس الثوري.. عوضًا عن حسن نصر الله.. وضمن صفقة التبادل.. وتصديقًا للمقولة الشهيرة مَنْ تخادع لي فقد خادعته.
ورثة أبو لؤلؤة والعلقمي وتاريخ الغدر وصفقة الموت
قد يقول قائل.. انه في الآونة الأخيرة شهدت إيران اغتيال العديد من الشخصيات الإيرانية.. نعم، هذا صحيح.. مع لفتة دقيقة أن معظم مَنْ تم اغتيالهم لم يكن على الأراضي الإيرانية وتحت حراسة الحرس الثوري!، والمُتَتَبع الحذق الذي يراقب الاستراتيجية الإيرانية التي تنبني عليها السياسات الخارجية.. يرى منطقية ضلوع طهران في الغدر بإسماعيل هنية، تاريخهم حافل بهذه الميكانزمات.. الخلافة العباسية شاهدة علي غدر الشيعة.. عندما تحالف مؤيد الدين العلقمي مع هولاكو ضد دولة الخلافة العباسية..، قتل أبو لؤلؤة فيروز الفارسي لعمر رضي الله عنه..، وتحالف الشيعة مع الصليبين ضد الدولة السلجوقية.. العثمانية لاحقًا شاهد تاريخي آخر، إيران هي الحليف الأكبر لروسيا في سوريا لقتل أهل السنة العُزل منذ اندلاع الثورة على نظام البعث بقيادة بشار الأسد.. وإيران هي التي وضعت قاعدة همدان في الوسط الغربي من إيران تحت التصرف الروسي للإغارة جويًا على ثوار سوريا العُزل..، إيران تتدخل في الشأن السني فقط حال انتصار اهل السنة.. وتجلى هذا في أفغانستان.. فقد ظل الشيعة سنوات طوال في صمتٍ مُطبق عندما كانت أفغانستان تحارب الشيوعية.. وعندما انتصرت تجلى الشيعة بإيعاز من إيران لتنازع المجاهدين الأفغان على السيادة، والمذكرة التي تحمل عنوان (مقدمات في الاستراتيجية الوطنية) لمحمد جواد لرجاني.. وقد أشرنا اليها في مقالات سابقة، التي يطرح فيها (لرجاني) نظرية أم القري تثمن الحدس الذي يذهب للقول ان إيران ضالعة وبقوة في صفقة لتصفية إسماعيل هنية على أراضيها في نهاية يوليو ٢٠٢٤.
تصريحات طهران عويل إعلامي لا يُصدق
وما العويل الذي يصدر من طهران إزاء اغتيال (إسماعيل هنية) على أراضيها سوى شو إعلامي.. وتصديق ان إيران تسعى لشن حرب.. أو حتى بردة فعل عنيفة من اجل اغتيال (هنية) على أرضها لشعورها بالمهانة.. لهو من دروب الوهم.. فهم المسوخ لا يأمن لهم جانب.. فكان أولىَ بإيران القيام بحرب.. أو القيام بردود مماثلة ثأرًا لدم ١١ قتيلاً لها.. غير الجرحى.. في الهجوم الجوي الإسرائيلي على المبنى الملحق للقنصلية الإيرانية في دمشق بجانب سفارتها مطلع ابريل نيسان من هذا العام.. أو عندما قُتِل قاسم سليماني في فترة حكم الرئيس ترامب.
٢٨ محرم ١٤٤٦
الخامس من أغسطس ٢٠٢٤