الأربعاء أكتوبر 9, 2024
مقالات

عامر شماخ يكتب: موجز تاريخ الانقلابات العسكرية العربية [2/ 3]

مشاركة:

باستثناء انقلاب المشير (عبد الرحمن سوار الذهب) الذي جرى في السودان في أبريل من عام 1985 ضد حكومة (جعفر نميري) والذي وقع خلاله ضحيتان اثنتان فقط من قوى الأمن وأعيدت السلطة بعدها إلى المدنيين –ارتكب العسكر العرب وسلطاتهم العديد من أعمال العنف أثناء انقلاباتهم وبعدها، وتفاوتت تلك الأعمال من سقوط أعداد محدودة من الضحايا والتنكيل بأعداد أخرى من المعارضة ومسئولي الأنظمة السابقة، إلى جرائم ضد الإنسانية ومجازر بشعة في حق المدنيين.

ويعد انقلاب العسكر في مصر عام 2013 الأكثر دموية في قائمة الانقلابات العربية؛ إذ ارتكبوا عددًا من المجازر، على رأسها مجزرتا رابعة والنهضة (في 14 من أغسطس عام 2013)، اللتين راح ضحيتهما نحو ثلاثة آلاف من المصريين السلميين، وقد صاحبهما عمليات حرق الضحايا وتجريف جثثهم، والقنص بالطائرات، فضلاً عن اعتقال عشرات الألوف، بينهم مئات النساء، والحكم على المئات بالإعدام، ومصادرة أموالهم، وتم تأميم الإعلام، ومنع الأحزاب، وكبت الحريات العامة، وملاحقة أي صوت حر حتى صارت مصر تُعرف بـ«جمهورية الخوف».

كما اتسمت الانقلابات التي جرت في العراق بكثير من العنف والدموية أيضًا، خصوصًا انقلاب 14 من يوليو عام 1958 الذي قام به (عبد الكريم قاسم) ورفقاؤه العسكريون، وأطاح بالمملكة العراقية الهاشمية؛ وقتلوا على أثره الملك (فيصل الثاني) وولي العهد (عبد الإله بن علي) ورئيس الوزراء (نوري السعيد)، ومثّلوا بجثثهم في الشوارع، وأعدموا العديد من الشخصيات العامة لكونهم مسئولين في النظام الملكي وحكومته، وكوّنوا لذلك محكمة عسكرية استخدمت وسائل تعذيب رهيبة لإجبار الموقوفين على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها..

 وقد أفسح (قاسم) المجال للشيوعيين فتوسّعت ميليشياتهم في أعمال العنف، وارتكبت العديد من المجازر خصوصًا في الموصل وكركوك، وداهموا المنازل وأحرقوها، ولجأوا إلى وسائل بشعة لترهيب المعارضين بالاستعانة بالغوغاء، وقد سالت دماء المئات جرّاء هذا الإرهاب، حتى صار قتل المعارضين مشهدًا يوميًّا معتادًا في الشوارع، بل طال القتل مسئولين عربًا وأوربيين معارضين لما كان يجري على يد الانقلابيين.

وتشترك الانقلابات العسكرية التي جرت في العالم العربي في عدة قواسم، كأنها خرجت من معين واحد، أو أن هناك آمرًا واحدًا لها؛ فدوافعها واحدة، وهي دوافع انتهازية، مصلحية شخصية؛ للحصول على امتيازات لقائد الانقلاب وحاشيته أولاً، ثم لمؤسسة الجيش ثانيًا بعد الشروع في عسكرة الدولة واستفادة ذوي الرتب جميعًا منها إلى درجة استنزافها..

 أما المشترك الثاني بينها فهو أن المحرك الأساس لها هو مصالح الخارج، خصوصًا الدول الكبرى؛ إذ الحقيقة أن الدول الاستعمارية لم تنه بعدُ ارتباطها بالنخبة والعسكر رغم خروجها من أوطاننا منذ عقود، وهذا سرُّ تراخي المجتمع الدولي أمام من يقفزون على الحكم بالدبابة، وقد أدى  تشابك مصالح القوى العظمى إلى تسارع وتيرة تلك الانقلابات التي تقف في مواجهة ما يهدد إستراتيجيات الخارج ويضر بمصالحه، لقد أغدقت إمارات وعروش الخليج –على سبيل المثال- الأموال على الانقلابيين في مصر والسودان، وليبيا وتونس لإبقاء العسكر في الحكم؛ لمنع أي توجه ديمقراطي قد يهدد ممالكهم السلطوية الغاشمة.

[يتبع].

Please follow and like us:
عامر شماخ
كاتب صحفي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *