بحوث ودراسات

محمد نعمان الدين الندوي يكتب: الشخصية الأسطورة.. مولانا أبو الكلام آزاد (2)

تحدثنا في المقال السابق عن مولانا أبو الكلام آزاد وقلنا إنه رجل بأمة وعن سر عظمته وعن شخصيته الجامعة، وكونه مفسرًا للقرآن، وخطيبًا مفوهًا، وزعيم حركة استقلال، وقائدًا وزعيمًا صنعه الله على عينه، يحمل الرسالة، ويوقظ الأمة، ويحمل راية الإسلام، ويهتف بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحمل رسالة السماء، وصحفيًا مميزًا ونواصل في هذه الحلقة سبر أغوار هذه الشخصية الفذة:

مولانا آزاد صحفيًا

كان نابليون يقول:

 «لا تخيفني قنابل المدافع أكثر من عبارة يكتبها كاتب بارع ضدي، والقلم القاسي كالسيف القاطع.. الأول يُخيف أشجع الملوك وأقوى الحكام أكثر مما يخيف الثاني أجبن الجنود في ساحات الحرب».

وقال أحد ملوك الأسبان: «لا يثور الشعب إلا متى ثارت الأقلام، فانتبهوا لهذا.. تأمنوا شر ذلك، والملك الذي تلوكه أقلام الكُتّاب، يدوسه الشعب بأقدامه».

وروي أن فرنسوا جوزف إمبراطور النمسا كان يردد هذه العبارة: «متى رأيتم اندلاع ألسنة الثورة.. فتشوا عن الكاتب الذي أضرم برأس قلمه نارها».

والرئيس روز فلت كثيرًا ما يقول: «أخاف من نفسي، لأني أحد حملة الأقلام». (1)

عفوًا على إيراد هذه المقاطع عن قوة «القلم»، فلعل ذلك يثقل على بعض القراء، ولكنني أتيت بها كتمهيد لهذا العنوان الجانبي «مولانا آزاد صحفيًا»، لأدلل بها وأُشعرَ القراء الشباب بما كان يشعر به مولانا آزاد من قوة القلم ودوره في إلهاب حماس الشعب، وإضرام نار الثورة ضد المحتل، فمن هنا.. اتجه إلى الصحافة، لكي يستخدم -بواسطته- قلمه في تحقيق مقاصده، وعلى مثل آزاد لا تخفى أهمية الصحافة، فقد كان من أعظم المطلعين على مقتضيات العصر، وما أحدثه من وسائل مفيدة للطبع والنشر والإعلام والتواصل، منها الصحافة، التي هي خير وسيلة للإبلاغ بطريق أحسن وأبلغ وأكثر تأثيرًا، تلك الصحافة التي شعر بأهميتها وفاعليتها أمير الشعراء أحمد شوقي، فقال:

لكل زمان مضى آية

وآية هذا الزمان الصحف

ومن ثَم.. أقبل مولانا آزاد على «الصحافة»، واختارها رسالة، ومنبرًا للدعوة الإسلامية، ووسيلةً للتعريف بما يحمل الإسلام من خير وسعادة للإنسانية، ومنصةً لتوعية الشعب الهندي بما عليه من واجبات تجاه وطنه، وتبصيره بحقوقه، فلم يتخذها مهنة يتكسب بها، أو قنطرة للحصول على الشهرة، ولفت أنظار الناس إليه عبر كتاباته.

لا.. بل إنه بواسطة الصحافة أشعل النار في صدور المواطنين، وألهبها كراهية وغضبًا ضد المحتل الأبيض… بكتاباته النارية، التي كان يستعمل في تحريرها قلمًا يغلي عداء وحقدًا للأجنبي المتسلط على أرض بلاده.

ذلك القلم الذي نفخ الصور في طول البلاد وعرضها، وأحيا الضمائر، وبعث العواطف الخامدة، وحرك الهمم الفاترة، وأيقظ الشعب من رَقدة الغفلة، ليكتحل باليقظة من سِنة اللامبالاة والبطالة، وذكّره بدرسه الذي نسيه أو تناساه، وجعله يهب هبة رجل واحد من أجل الوطن.

لقد كان آزاد دخل مجال «الصحافة» في سنه المبكرة، فقد أصدر أول مجلة له:” لسان الصدق ” وعمره ١٦ سنة فقط..

يا ناس.. يا شباب! لنقف هنا وقفة تدبر ونظر ساعةً.. فتى من ماضينا القريب وليس البعيد.. يشعر بمسؤليته نحو وطنه ودينه والإنسانية جمعاء.. في هذه السن.. سن اللهو واللعب، السن التي يبدأ بعضنا فيها دراسته، ولكن «فتانا: آزاد» كان أكمل المنهج الدراسي السائد في عصره، وعمره ١٥ سنة فقط (2)، وبدأ يُدَرِّس مجموعة من الطلاب في حلقة تعليمية نظمها له أبوه، ثم أصدر مجلة: «لسان الصدق» وعمره ١٦ سنة فقط…

يا له من نبوغ مبكر.. كان يتنبأ بمستقبل عظيم للفتى المعجزة:” آزاد “، وقد كانت ظهرت طلائع نبوغه منذ أن كان بدأ الدراسة:

وإذا رأيت من الهلال نموه

أيقنت أن سيصير بدرا كاملا

وكان أهل الفراسة يتوسمون في «آزاد» -منذ صغره- الكفاءات غير العادية المبشرة بإشراقة مستقبلية تنتظره، ويشُمُّون مِن عَرْف شخصيته المتميزة عبير الفضل، ورائحة النبوغ، وطيب العبقرية، وأمارات الإقبال، وقد صدق حدسهم، وصح تفرسهم، ورأت الدنيا [آزاد] متربعا على عرش قيادة البلاد، واسمَه متلألئًا في سماء المجد والشرف، ومُسَجَّلًا -بأحرف من النور والخلود- في فهرس عباقرة التاريخ.

إن قصة هذا الفتى من فتيان الإسلام في آخر قرونه، أعادتني إلى قرون الإسلام الأولى، أعادت إلى مخيلتي ذكرى فتى آخر من فتيان الإسلام، أدهش بصنائعه العالم، يسمى: محمد بن القاسم الثقفي، الذي قال عنه الشاعر:

إن السماحة والمروءة والندى

لمحمد بن القاسم بن محمد

ساس الجيوش لسبع عشرة حجة

يا قرب ذلك سؤددًا من مولد

عفوًا على هذا الاستطراد الذي جاء عن غير قصد.. فكنت أتحدث عن حياة مولانا آزاد الصحفية، وكما هو معلوم أن مولانا كان أصدر -فيما بعد- «الهلال» و«البلاغ»، وكانت كل هذه المجلات تصدر بأعلى وأرقى مستوى صحفي قياسًا بذلك العصر، وجميعها تعرضت لغضب الحكومة المحتلة، لكونها -مجلات آزاد- تقوم بتبني موقف مضاد للحكومة، داعيةً الشعبَ الهندي إلى الثورة عليها، فصودرت وأوقفت من الصدور، وفُرضت عليها الغرامات، ولكنها -المجلات- نجحت في مقصدها، من إثارة «أنفة المستذَلّ» و«غضبة المُستَغَلّ»، وتفجير موجة عارمة من السخط والامتعاض ضد الاحتلال، وإحداث التطلع إلى استطعام طعم الحرية، والشعور بالكراهية لحياة العبودية، وإيقاظ وعي الشعب، وإيقاد نار الثورة، وكفى بذلك نجاحًا.

ومن نافلة القول إن نذكر أن مولانا آزاد كان من المعجَبين بحركة «ندوة العلماء» -في لكناؤ، الهند-، وقضى فترة من شبابه في رحابها، وكانت أسندت إليه إدارة تحرير مجلة: «الندوة» التي كانت تصدر عن ندوة العلماء.

مولانا آزاد أديبًا

ولَضربةٌ من كاتب ببنانه

أمضى وأقطع من رقيق حسام

كان آزاد ملك اللسان والقلم، وله جولات وصولات، وفتوح ومبادرات في كلتا المملكتين: الخطابة والكتابة، أما الخطابة فقد مضى الحديث عنها، أما الكتابة، أو قل: النثر.. فكان آزاد ابنَ بجدته، وأبا عذره، وفارسه المغوار، كانت التعبيرات طوع أمره ورهن إشارته، والألفاظ خاضعة له خضوع عبد وفيّ مطيع لأمر سيده، والإنسان حينما يقرأ نثره، تأخذه هزة، وتعتريه كيفية من الإعجاب والتأثر لا توصف، ولعل تشبيه نثر آزاد بالسحر لا يعطيه حقه من الإنصاف والاعتراف، بل إن ذلك حطٌ من قيمته، وتقليل لأهميته، إذ كان -نثره- شيئا فوق سِحر الساحر..، كلام في أوج البيان، وقمة الفصاحة، بعيدٌ عن التزويق والتكلف، سليم من التبذل والرعونة، ساحر فاتن، لامع لموع الفجر، جميل جمال الإبداع..، كأن به مسحة من التنزيل، أو كأنه كلام من الإلهام، أو وحي من الوحي.

كلام كنظم الجُمان، أو روض الجنان.

والسبب لقوة تأثير نثر آزاد وروعته اللامتناهية أنه كان يكتب بدم قلبه لا بمداد قلمه:

من السحر الحلال لمجتنيه

ولم أر قبلها سحرًا حلالًا

 وكان كثيرًا ما يستعمل الأمثال العربية والفارسية الفارسية، وكذلك الأبيات من اللغات الثلاث، فقد كان يحفظ الطِّم والرِّم من النثر والنظم. هذا. وقد بالغ بعض الكتاب في مدح أسلوب مولانا آزاد، فقال «لو نزل القرآن الكريم بالأردية، لاختير له نثرُ أبي الكلام أو نظم إقبال». (3)

على اعترافنا وإعجابنا بما تتميز به كتابات آزاد من المميزات الجمالية الإبداعية والثراء المعنوي، إلا أننا نعتبر الوصف المذكور لأسلوبه غلوًا نتبرأ منه، ونعتبره سوء أدب، لا نرضاه بحال من الأحوال.

على أن آزاد أًديب يصدق عليه ما قاله علي الطنطاوي في واجبات الأًديب تجاه أمته: «الاًديب في الأمة لسانها الناطق بمحاسنها، الذائد عن حماها، وقائدها إلى مواطن فخرها، وذرى مجدها». (4)

وكذلك كان آزاد الأديب.. بل فوق ذلك…!

حقًا.. لقد كان مولانا آزاد من أولئكم: «الأدباء العظام، الذين أضاءوا العالم بنور عقولهم، وأسعدوا الملايين بإبداعات قلمهم، والذين لو لا هم.. لما استطاعت أقلام كثيرة أن تُسطِّر، ولما تمكنت ألسنة عديدة أن تعبّر».

وقال الكاتب الكبير شورش الكاشميري: «إن عتبة أسلوب مولانا آزاد موضع لسجود قلمي».

مولانا آزاد عالمًا عاملًا

كانت نشأة مولانا آزاد نشأة دينية محضة، وكان أبوه من كبار رجال الدين والتزكية والإصلاح والتربية، فكان طبيعيًا أن يكون آزاد مهتمًا بالمواظبة على القيام بواجبات الدين وفرائضه، فكان تراكُم أشغاله وازدحامُ أعماله لا يحول بينه وبين أداء متطلبات دينه، وبهذا الصدد سمعت من الشيخ أبي الحسن الندوي رحمه الله قصة رواها في بعض محاضراته، يقول:

” كان مولانا أبو الكلام آزاد ذات مرة مشاركًا في حفل كان عقد بـ: «گنگا پرشاد ميموريل هال» في لكناؤ، وكان الأسد يزأر (يعني به الشيخُ الندوي صاحبَنا مولانا آزاد) ويزمجر، ويتحدى جبابرة الطغيان، ويسحر السامعين بخطابته التي تهز النفوس، فإذا به -وهو في قمة حماسه وذروة تدفقه- يسمع الأذان.. فيوقف خطابه في الحال، ويلبي نداء الرب، ويتوجه إلى غرفة مخصصة للصلاة، ويؤم الحاضرين في الصلاة، وهنا يقول الشيخ الندوي رحمه الله مفتخرًا ومعتزًا: «فسعدت أنا أيضا أن أؤدي الصلاة بإمامة مولانا آزاد».

وكذلك سمعت من الشيخ أبي الحسن الندوي رحمه الله، يقول:

«جاء مرة مولانا آزاد إلى لكناؤ، ونزل الفندق، وكنا قد سمعنا بأن مولانا آزاد متعود على الاستيقاظ المبكر، فذهبنا إلى الفندق الساعة الثالثة صباحًا، لنتشرف بمقابلة مولانا، فلما وصلنا إلى الفندق، وجدناه يتنزه النزهة الصباحية في مكان خضر ذي العشب، ملاصق للفندق، وكان في تمام نشاطه، فرحب بنا، وكان لنا معه لقاء خفيف».

ذكاء مولانا آزاد

هذه الناحية من أبرز ما حباه الله به من المواهب، ولعل لهذه الناحية -الذكاء الخارق- دورًا رئيسيًا في تكوين شخصية آزاد العلمية، وإعطائه مكانة مميزة بين أعلام العلماء في عصره، فقد آتاه الله ذكاء عجيبًا وذاكرة لاقطة وحافظة واعية، لا يكاد ينفلت منها شيء كان يقرأه، فكانت ذاكرته تحتفظ لا بالكتب بل بالمكتبات، وكانت له صبابة بالعلم، وشغف عجيب بالمطالعة، حتى قال آزاد نفسه عن نهمه بالمطالعة: «قد شبت مطالعتي قبل بلوغي سن الشباب بكثير»، يقول الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله:

«كان الله خلقه ذكيًا، فلما ولد، كان ذكياً، ولد عبقريًا، وإذا أُعِدّت قائمة -في بلدنا: الهند- بأسماء ثلاثة أو أربعة أشخاص، تصدق عليهم كلمة «العباقرة» بمعنى الكلمة، فأستطيع أن أقول -على وجه الثقة واليقين- إن لآزاد يكون في القائمة مكانًا لا محالة». (5)

وقريبًا من ذلك.. قالت المفكرة والسياسية الشهيرة «سروجني نائدو»:

«لا تتحدثوا عن عمر مولانا، فقد كان ابن خمسين سنة لدى ولادته».

وكذلك كان قال العلامة شبلي النعماني رحمه الله -وهو يخاطب مولانا آزاد-: «إن عقلك لمن المحيّرات المدهشات».

كان إذا تحدث في أي موضوع من الموضوعات الدينية أو العلمية أو السياسية، أعطاه حقه من الشمول والكفاية، فأقنع وأغنى، ولم يدع شاذة ولا فاذة إلا أحصاها وسجلها:

ما مر في هذه الدنيا بنو زمن

إلا وعندي من أبنائهم طرف

وطنية مولانا آزاد

وللمعارك أبطال لها خلقوا

وللدواوين حُسّاب وكُتّاب

المراد بوطنيته، حبُّه -غير العادي- لوطنه، الذي خاض من أجله معركة التحرير، بل قادها ووجهها بكفاءاته العبقرية، وسخر جميع مواهبه لتطهير بلاده من قبضة المستعمر، وطرْدِه من أرضه، وإعادتِها -مرة أخرى- أرضًا حرة، لا تسيطر عليها قوة خارجية، ولا يكون فيها سلطان ولا حكم ولا إدارة إلا بأيدي أبنائها، وضحى بعبقريته وراحته من أجل بلاده، وتجرع الصاب والعلقم في سبيل تحريرها.

شعبية مولانا آزاد

هنا تذكرت قصة تدل على شعبية مولانا آزاد، وما كان يتمتع به من الحب والمكانة في قلوب الناس، سمعتها من بعض كبار العلماء الذين رأوا آزاد، يقول: ذات مرة كان آزاد مرشحًا من مدينة «رامبور» في الانتخابات العامة، فقال له أعضاء حزبه: نرتب لكم جولة في دائرتكم الانتخابية، فأجاب: إن آزاد يعرفه الناسُ، فلم يذهب إليها، بل ذهب إليها رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو، وقال: يا أهل رامبور! إنه لمن حسن حظكم أن أكبر سياسي من آسيا مرشح منكم للبرلمان الهندي، فلست بحاجة إلى أن أطالبكم بالتصويت له، فأنتم من أدرى الناس بمكانته.

فلما اكتملت الانتخابات، وأُعلِن نجاحُ مولانا آزاد، ذهب إلى رامبور، ليشكر أهلها على تصويتهم له.

لماذا اختار كلمة «آزاد» لقبًا له؟

مولانا آزاد كان متوقد الذهن، ذا عقلية إبداعية عبقرية، لا عقلية مقلدة جامدة على منطق «وجدنا عليه آباءنا»، فهو منطق غير عقلاني، منطق مرفوض، وكان ثائرًا حائرًا، متألمًا لما يعيشه أبناء ملته من المهانة والاستكانة، ومر في بداية شبابه بمرحلة «الصراع الفكري» لما يرى من تشتت المسلمين وتفرقهم، مع أن جميع المذاهب تدعي الاقتباس من منبع واحد، فلماذا هذا الاختلاف فيما بينهم؟

أضف إلى ذلك.. أن البيئة التي نشأ فيها وشب، كانت بيئة محافظة متقيدة بالتقاليد والرسوم الدينية المزعومة، التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولكن لم ينشرح لها صدره قط، بل كان متبرمًا بها، ثائرًا عليها في نفسه، وقد ظل على هذه الحالة الصراعية فترة من الزمن، حتى قرر التحَرُّرَ من هذه التقاليد البالية المتوارثة كابرًا عن كابر، واختار لنفسه لقب «آزاد»، ومعناه: الحر.. في إشارة واضحة صريحة إلى أنه – آزاد- صار الآن حرًا من العقائد التقليدية الموروثة، كما صرح بذلك نفسه في «انديا ونس فريدم». (6)

نبذة من آرائه وأقواله:

كما مر أن مولانا آزاد كان مفكرًا نابغة، صاحب عقلية حرة ذات إبداع وابتكار في جميع الأمور والقضايا إلا الدين وما يتعلق به، فكان فيه متبعًا ملتزمًا بالمنهجية المأثورة المدعومة بالكتاب والسنة، فلا يحيد قيد أنملة عن المبادئ والثوابت.

أما في قضايا غير الدين، فكان له فيها رأي ونظر، وابتكار وابتداع، والكتب والمجلات مليئة بآرائه وأقواله في مختلف الموضوعات، واخترنا منها نتفًا، نوردها فيما يلي:

١- اعتزازه بالإسلام، وحبه لوطنه

«أنا مسلم، وأعتز بالشعور بأنني مسلم، وأنا سعيد بأن لي حظًا من الموروثات والخصائص الرائعة لثلاثة عشر قرنا من الإسلام، ولست براض عن الضياع لأصغر جزء من أجزائه، فأنا كمسلم في الإطار الديني، ولي ذاتية خاصة، ولا يمكن أن أحتمل أن يتدخل فيها أحد.

ولكن.. مع هذه المشاعر والأحاسيس.. أحمل شعورًا آخر، أحدثته حقائق حياتي، لا يحول بينه وبيني روحُ الإسلام، بل إنه يرشدني في هذا الطريق، وهو أنني أعتز بالشعور بأنني هندي، وعنصر هام من القومية الهندية المتحدة، التي لا تتجزأ.

٢- موقفه من النظرية القومية

كان مولانا آزاد معارضًا للنظريتين القوميتين معارضة شديدة، ومؤيدًا للوحدة القومية تأييدًا بالغًا، وكان يقول: «هدفي: الوحدة بين المسلمين والهندوس، وأحب أن أقول للمسلمين: من الواجب عليهم أن يقيموا صلة حب وإخاء بالهندوس».

الحقيقة أن وحدة الأمة كانت عنده أهم من الحرية، فمن أقواله المشهورة بهذا الصدد:

«إذا نزل ملك من السماء على «منارة قطب»، وأعلن من قمتها أنه يمنحنا الحرية خلال ٢٤ ساعة على حساب الوحدة (عوضا عنها)، فأنا أرفض مثل هذه الحرية، وأتنازل عن مثل هذه الحرية، فإنه إذا تأخر نيل الحرية، كان ذلك خسارة على الهند وحدها، ولكن إذا نِيْل من وحدتنا، وأُخِلّ بمسارها، كان ذلك خسارة على العالم الإنساني قاطبة».

٣-اهتمامه بالتعليم

 «من أقواله بأهمية التعليم: علينا أن لا ننسى -لحظة- أن التعليم الأساسي فرض على كل شخص، و إنه لَحقٌ خِلقيّ لكل فرد أن يتلقى -على الأقل- التعليم الأساسي، الذي لا يستطيع بدونه أن يقوم بأداء واجباته كاملا».

وهذا الكلام لا غرابة فيه من ابن الإسلام: [أبي الكلام].. الذي ينتمي إلى أمة صنعها كتاب، وخرجت من دفتي الكتاب {ذلك الكتاب لا ريب فيه} الكتاب الذي بدئ بكلمة: {اقرأ}.

٤- كلمته الصريحة عن المسلمين والهندوس:

لقد عايش آزاد كلًا من المسلمين والهندوس، ورآهم عن كثب، فوجد منهم ما يؤلم أكثر مما يسر، فقال عنهم قولته المشهورة، التي تنبني على تجارب طويلة مريرة:

«إذا بقيت الدنيا عشرة آلاف سنة، أو مليون سنة أخرى، ما تلاشى (أي لا ينتهي) شيئان.. أحدهما: ضيق نظر الهندوس، والثاني: سوء ظن المسلمين بزعمائهم المخلصين الصادقين».

وبعد.

لقد ترك آزاد بصمات في التاريخ، لا تمحى عبر الدهور، والحقيقة أن آزاد كان رجلًا من رجال التاريخ، بل بطلًا من أبطاله، بل رائدًا من رواده، بل صانعًا من صانعيه.

وإذا لم يُعَدَّ مثل آزاد صانعًا للتاريخ.. فمن يُعدُّ يا ترى؟

ولكن.. ولكن.. تجوهلت اليوم مثل هذه الشخصية -الصانعة للتاريخ- وتنوسيت.. وتكاد تُطوى في زاوية الإهمال المتعمد.. فإلى الله المشتكى!

عقم النساء فما يلدن شبيهه

إن النساء بمثله عُقم

اعتراف واعتذار:

مدحناهم فلم ندرك بمدح

مآثرهم، ولم نترك مقالا

أعتذر إلى القراء الأفاضل، معترفًا بأنني لم أوفِّ الموضوع حقه من الإقناع والإشباع، فمن ذا الذي يستطيع أن يستوعب نواحي الرجل / الأمة.. في سطور أو صفحات؟!

فهذا في الحقيقة غيض من فيض.. أو أقل!

إن هذه السطور العديدة عن هذا العملاق لا تعدو أن تكون مثل التقاط قطرات من البحر الفائض والخضم الهائج..

ولكنها على كل حال.. إطلالة سريعة على محطات ومواقف بارزة من حياة هذا الرجل العظيم.

ولعل فيها بعض الكفاية.. أو شيئًا من إلقاء الضوء على جوانب من شخصية مولانا آزاد، تحفز القراء إلى المزيد من التعرف والاطلاع عليها بشكل أوسع وأوفى.

معلومات شتى عن مولانا آزاد

-ولادته: ١٣٠٥ھ – ١٨٨٨م

-وفاته: ١٣٧٧ھ – ١٩٥٨م

-اسمه الأصلي: محي الدين

-اسمه التاريخي: فيروز بخت، معناه: حسن الطالع.

-لقبه: آزاد

-كنيته: أبو الكلام

-اسم والده: محمد خير الدين بن محمد هادي.

-اسم والدته: عالية بنت محمد طاهر، الذي كان من كبار علماء المدينة المنورة.

-اسم زوجته: زليخا بيغوم، التي ساعدته كثيرا في أداء مهامه، وشاركته كتفا بكتف في معركة التحرير.

-يتصل نسبه بالسيد جمال الدين الأفغاني

— أصدر أول مجلة: «لسان الصدق» وعمره ١٦ سنة.

-كان أول وزير للمعارف للهند بعد نيلها الحرية، فقد شغل منصب وزارة المعارف من ١٥ أغسطس ١٩٤٧ إلى ١/ فبراير ١٩٥٨م.

-من مؤلفاته: ترجمان القرآن -تصورات قرآن- قرآن كا قانون عروج وزوال- ياجوج وماجوج – رسول رحمت -الشواهد في دخول غير المسلم المساجد- إيمان اور عقل -غبار خاطر-india wins freedom وغيرها.

-مجلاته: لسان الصدق – الهلال – البلاغ – نيرنگ عالم ۔

الهوامش والمراجع

(1) مجلة الثقافة: حزيران، تموز ١٩٨٨م، دمشق.

(2) هنا لا بد من إزالة سوء فهم، وذلك أنه يقال إن آزاد سافر إلى مصر للدراسة في الأزهر، وقد رد آزاد نفسه على هذه الشائعة، وقال إنه كان سافر إلى دول من الشرق الأوسط مثل العراق والشام ومصر وتركيا، وبيّن منشأ هذه الشائعة، أنه -آزاد- كان قال -ردا على سؤال -: أن الطريقة التعليمية السائدة لم تعُد غير مقتَنَعِ بها ومرتاح إليها لا في الهند وحدها، بل في الأزهر أيضا يُرى إليها بنظرة غيرِ مؤيَّدة، فظُن أن آزاد درس في الأزهر أيضا، وهو غير صحيح. انظروا: ترجمة «انديا ونس فريدم» بقلم البروفيسور محمد مجيب، ص: ٧٦.

(3) مجلة: «الشارق»، مارس، أبريل ٢٠١٠م أعظم كره، الهند.

(4) علي الطنطاوي: ذكريات علي الطنطاوي: ٢/ ٢٠٤

(5) مجلة «تعمير حيات» الأردية، عدد ١٠- ٢٥ يناير ١٩٧٨م.

(6) انظروا ترجمته بقلم: البروفيسور محمد مجيب. ص: ٧٣.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى