د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: والصَّاد في طريقها هي الأخرى!
أَعلَمُ جيدًا أن هذا المقال قد يكون غريبًا لدى البعض، وقد يسبّب لي مشاكلَ كثيرة أنا في غنىً عنها، وقد أضطر لحذفه ومتابعة السُّكوت كما هو الحال سنين طويلة مضت؛ كنت أكتفي فيها بمناقشة الأمر في هدوء مع بعض أهل العلم والفضل الذين آنس منهم سعة صدر وقدم صدق في العلم.
لكن الأمانة ومسئولية العلم تقتضيان التنبيه والتذكير والبيان، لا سيما إن كان الأمر متعلقًا بكتاب الله عزّ وجلّ؛ كلامه العربي المبين.. والله من وراء القصد محيط.
ذلك إن بعض معلمي القرآن وأهل الإقراء به وبعض القرّاء والمشايخ المسموعين؛ ذوي السُّمعة والشَّهرة، يعتسفون في نطق حرف الصَّاد المهملة في القرآن الكريم، فينطقونها خطأ، وعنهم ينتشر الخطأ ويستقرّ في الوجدان، وتتناقله الأجيال على أنه من المسلّمات، كما حصل الشيء نفسه مع حرف الضَّاد المعجّمة.
فمخرج حرف الصَّاد -يا سادة- لا علاقة له بالشَّفتين؛ مثله مثل السين والزاي، فعلامَ يضم بعضهم شفتاه عند نطق الصاد مادًّا شفتيه للأمام كأنما ينطق واوًا؟!
فمخرج الحروف الثلاثة؛ الصاد والسين والزاي من بين طرف اللسان فويق الثنايا السفلى، وهذه الأحرف يطلق عليها بـ الأَسَلِيَّة؛ لأنها تخرج من أسَلَة اللسان وهو مستدقه، وتسمى أيضاً بحروف الصفير.
وأما حرف الضاد الذي ننطقه في مصر فأمره يطول، والكلام فيه مشكل وكثير، ولكني أدين لله بأن حرف الضاد المصرية ليس هو الذي كان ينطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هو الذي سمعه من جبريل عليه السلام، وليس هو الذي سمعه جبريل عن رب العزّة سبحانه وتعالى!.
وأن أهلنا في دول الخليج، وأهلنا في مطروح، وبعض أهلنا في البحيرة، وأهلنا في سيناء، وأهلنا في الأردن وفي معظم الشام، ينطقون الضاد نطقًا صحيحًا في كلامهم العادي، وأننا في مصر -لا سيما الحَضَر- نحسبها ظاءً؛ وهو خطأٌ وخلطٌ.
كما إنّ الضاد ليست دالًا مفخّمة.. ومن راجع أُمّات كتب اللّغويين عرف مخرج الضاد الصحيح، وتأكّد أنه ليس كما ننطقه في مصر.. والضاد ليس حرفًا سهلا كما يظن البعض؛ فهو سمة خاصة للغة العربية، تميّزت به وتميّز به العرب الأقحاح عبر التاريخ؛ فلذلك تُسمى اللغة العربية لغة الضاد.
وأنبّه هنا على أن من قرأ بالضاد المصرية ولا يستطيع تحقيق نطقها الصواب أو يخلط بينها وبين الظاء، فيهرب للضاد المصرية؛ فصلاته صحيحة والصلاة خلفه لا شيء فيها؛ ذلك أن الأمر استقرّ على ذلك وأخذ به القراء الكبار وانتشر وصار هو المعروف والمتداول، وعمّت به البلوى كما يقول الفقهاء.