مقالات

د. أنور الخضري يكتب: ابن عبد الوهاب

عندما حاول محمد بن عبد الوهاب رحمه الله القيام بإصلاح واقع مجتمعه واجه الكثير من العقبات والتحديات والتهديدات، فالرجل الذي دعا للتوحيد جاء في زمن حلت فيه مظاهر الشرك والبدع والخرافة وأصبح لها حماة ومدافعون، فقد مثلت تلك المظاهر حالة إثراء واكتساب في بلد شحيح الموارد، فضلا عما تحققه من وجاهة اجتماعية وآلية لغسل الأدمغة وتسخيرها لأصحاب النفوذ والوجاهات والمصالح. كما واجه عادات وتقاليد غلبت الأحكام الشرعية العادلة ووظفت للأقوياء من الناس وأصحاب الغنى. وواجه طبقية سلالية وعنصرية اجتماعية، وطبقية اقتصادية، يفرز الناس فيها بحسب معايير دنيوية صرفة.

هذا الكم من الفساد والظلم الذي تشكل في قوى واقعية حارب جهود محمد بن عبد الوهاب وواجهها بعنف وتشويه وكذب عليه. كما هو الحاصل مع قوى التغيير التي لا تقرأ التجارب!

فلما لم يجد للكلمة موضعا ولا للعقل محلا توجه للبحث عن قوة تسنده، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما عرض نفسه على القبائل العربية لتحميه وتناصر دعوته.

قام بمناصرته محمد بن سعود وتحالف الرجلان وقادا جهودا كبيرة لتغيير الواقع، وبالفعل تمكنا من إيجاد تحول كبير في جزيرة العرب. وهنا ومع امتداد دولتهم التي نشأت دخل في قائمة العداوات القوى السياسية المحلية والإقليمية، مشوهة سمعة الشيخ ودعوته ومطلقة عليها أوصاف التكفير والتضليل والخروج على جماعة المسلمين وعلى الخلافة!

وهو ما يتكرر اليوم مع قوى التغيير التي تواجه ذات الاتهامات وذات المخاطر لكنها لا تنصف الماضي!

استعرت الحرب على الدعوة الجديدة والدولة الجديدة، وتشكلت تحالفات عديدة لوأدها، وبصيغ عدة. واستغلت الأخطاء لديها (لأنها كأي جهد بشري غير معصوم أصابت وأخطأت سواء في الأحكام أو الأعمال) للتضخيم والتشويه والإدانة لجملة الدعوة والتجربة.

ومن لم يرد قراءة التجربة في سياقها التاريخي ابتلاه الله اليوم بسياق مماثل.. كي يتعلم قدرا من الإنصاف والوعي والتواضع.

ومن لم يعتبر بالتاريخ وعظاته لا يفلح في مواجهة المستقبل، فسيرة المصلحين تكرر ذات السيناريوهات وإن بشخوص مختلفة.

والذين عادوا دعوة محمد بن عبد الوهاب انصاتا لأعدائها يعادي أقرانهم دعوات التغيير والإصلاح بذات الأعذار والمبررات، ويواجهون المصلحين بذات التهم: طالبو سلطة، عملاء الأعداء، خوارج العصر،… الخ.

أما الذين بلغتهم دعوة محمد بن عبد الوهاب مشوهة ثم عرفوها عن كثب فقد تراجعوا وأظهروا ثناءهم وتزكيتهم لها، مع تحفظهم على الأخطاء التي رأوها باجتهادهم وبقدر معرفتهم بالأمور.

إياك أعني واسمعي يا جارة.

هل فهمتم المقصود؟!

د. أنور الخضري

مدير مركز الجزيرة للدراسات العربية بصنعاء - اليمن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى