مقالات

عامر شماخ يكتب: «خَاتَمُ الأنْبِيَاءِ»

لو أنَّك جمَّعت فضائل الأنبياء جميعًا، الْخَلْقِيةَ والْخُلُقِيَة، وقستها بمثيلاتها لدى نبينا محمد ﷺ لوجدته قد حواها وزيادة؛ فاستحق أن يكون بذلك خاتم الأنبياء، وإمام المرسلين، وقائد الغُرِّ الميامين، أكمل الله به الدين وأتم الملة، وجعل رسالته هي تمام الوحي وختام الرسالات.

وهذا الخيار الرباني يليق بقدسية السماء، فما وُجد في الكون أعظم من محمد ﷺ، ولا في الخليقة أصلح منه؛ فهو أكمل البشر خَلْقًا وخُلُقًا، أحسنهم صورة، وأجملهم هيئة، وكان أصدق من تكلّم، وأعظم من صبر، وأكرم الخلق وأجودهم، وأشجعهم، وأثبتهم قلبًا، وأزهدهم وأبسطهم، وأكثرهم إقبالًا على الآخرة.

لقد سَلِمَ محمدٌ ﷺ مما يشين البشر؛ «بُعثتُ من خير قرون بنى آدم، قرنًا قرنًا، حتى بُعثتُ من القرن الذي كنتُ فيه»، فهو خلاصة السلسلة النقية، سلسلة النبوة، التي عُصمت بأمر الله، فكان له شرف تصحيح مسار البشرية المنحرف، وردّها إلى صراط الله المستقيم ومنهاجه القويم؛ «إنما بُعثتُ لأتمم صالح الأخلاق».

وهذه الخاتمية هي قدر الله الأزليُّ في البشر، وصناعته (سبحانه)؛ يقول (تعالى): (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [الأحزاب: 40]، (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران: 81]..

 ويقول النبي ﷺ: «إني عند الله مكتوبٌ خاتم النبيين وإن آدم منجدلٌ في طينته»، «إِنَّ مَثَلِى وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ»..

وهذا مقام تكليفٌ وتشريفٌ لنبي الله «محمد» ﷺ ولأمته من بعده، يقول ابن كثير: «فالرسول ﷺ خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، دائمًا إلى يوم الدين، وهو الإمام الأعظم الذي لو وجد في أي عصر لكان هو الواجب الطاعة، المقدم على الأنبياء كلهم؛ ولهذا كان إمامهم ليلة الإسراء لَمَّا اجتمعوا ببيت المقدس، وكذلك هو الشفيع في يوم الحشر في إتيان الرب لفصل القضاء، وهو المقام المحمود الذى لا يليق إلا له».

إن الذى حاز شرف أول مخلوق في الإسلام؛ (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162، 163]، لهو جديرٌ بأن يفشى السلام ويرسى العدل وينشر الرحمة، بين الخلق جميعًا، على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وألسنتهم وأزمانهم؛ (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) [سبأ: 28]، (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) [الأعراف: 158]..

من ثَمَّ لن تنجو البشرية من شقائها إلا باتباع دينه والتزام شريعته؛ فإنه الداعي إلى كل خير، الناهي عن كل شر، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، الذى اتبعه قومه وهم على ضلال وجهل فأعزّهم الله بتلك الملة الحنيفية السمحة، فصاروا هداة بعد عمى، أحياء بعد موات، يلخص ذلك «جعفر بن عبد المطلب» في رده على «النجاشي» بقوله:

 (أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهليَّة؛ نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونُسيء الجوار، يأكل القوى منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا نعرف نَسَبه وصِدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحِّده ونعبده ونخلَع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان، وأمرَنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصِلة الرَّحم، وحُسْن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذْف المحصنة، وأمرَنا أن نعبد الله وحده لا نُشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. وعدد عليه أمورًا أخرى من محاسن الإسلام).

ولا ننكر أن في القوم عقلاء يقولون الحق، ويشهدون الصدق، مثل الشاعر الفرنسي الشهير «ألفونس لامارتين»، المعروف برائد الرومانسية، والذي أنصف النبي ﷺ بقوله: (من ذا الذي يجرؤ من الناحية البشرية على تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد؟! ومن هو الرجل الذي ظهر أعظم منه، عند النظر إلى جميع المقاييس التي تقاس بها عظمة الإنسان؟! أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة وافية، وأدركت ما فيه من عظمة وخلود. أي رجل أدرك من عظمة الإنسانية مثلما أدرك محمد، وأي إنسان بلغ من مراتب الكمال مثل ما بلغ، لقد هدم الرسول المعتقدات الباطلة التي تتخذ وساطة بين الخالق والمخلوق).

عامر شماخ

كاتب صحفي مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى