صدر بيان عن رابطة علماء المسلمين حول تفاقم المجازر الصهيونية على أهل غزة هذا نصه:
الحمد لله القائل: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين؛ إمام المجاهدين؛ القائل: ” إذا تبايعتم بالعِينةِ وأخذتم أذنابَ البقرِ ورضيتم بالزرعِ وتركتم الجهادَ سلط اللهُ عليكم ذُلًّا لا ينزعُه شيءٌ حتى ترجعوا إلى دينِكم”، وعلى آله وصحابته الطيبين. أما بعد …
فلا يزال العدوان الصهيوني الغاشم- على مرأى ومسمع العالم كله- يتجاوز حدود الإنسانية، بل والبهيمية كذلك، ويمعن في تقتيل وحرق إخواننا في فلسطين، لا يفرق في همجيته هذه بين كبير وصغير وبين رجل وامرأة، وقد تابعنا في رابطة علماء المسلمين؛ ما تقوم به قواتُ الصهاينة المجرمين؛ من إجرام فاق كل إجرام في جباليا وشمال غزة؛ فبعد أن حرق الأخضر واليابس ودمر البيوت على ساكنيها، ولم يسلم من عدوانه الأثيم مشفى أو مدرسة أو مسجد، فها هو يعود مرة ثانية هذه المرة هو الأشد ضراوة من الاجتياح الأول والثاني؛ حيث القتل والتدمير الممنهج وفي وسط دعاوى وتهديد كبار المسئولين الصهاينة لاحتلاله وتهجير أهله بالقتل والحصار الخانق والتجويع وتجريف الأراضي، وتطبيق ما يسمَّى بمخطط الجنرالات، الذي يفضي إلى تفريغ شمال غزة وجعلها مستوطنة عسكرية أمنية للصهاينة؛ فيسارع جيش الإرهاب الصهيوني بارتكاب أبشع المجازر المروعة من نسف مربعات سكنية كاملة وقتل من فيها من العوائل والرجال والنساء والأطفال وكبار السن والمرضى والمصابين، واستهداف طواقم الدفاع المدني والإسعاف والمستشفيات والصحافة ومراكز التموين، مع تهديد للسكان بالإخلاء من البيوت ومراكز الإيواء واستهدافها بالقصف، ومطاردة السكان لإجبارهم على النزوح وإمعانًا في تعذيب أهل غزة وقهرهم؛ كل ذلك تمهيدًا لتهجيرهم من القطاع ؛ لفرض سياسة أمر واقع قبيل الانتخابات الأمريكية لتكون غزة أرضًا بلا سكان؛ كما هي عليها الآن مدينةٌ بلا بنيان!
وليس وصف يصدق على هؤلاء الصهاينة المجرمين أظهر من قوله عزَّ وجلَّ، عنهم وعن أسلافهم: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} [التوبة: 10].
وإزاء هذا الإجرام؛ فإنّنا في رابطة علماء المسلمين نبرأُ إلى الله تعالى؛ من هذا الخذلان المتعمَّدِ لأهل غزة العزة؛ ونؤكد على ما يلي:
أولًا: تحذر رابطة علماء المسلمين من الانخداع بسياسة العدو الصهيوأمريكي التي ينتهجها لخداع الرأي العام، بإظهار تصريحات لتهدئة الرأي العام، بينما سياستهم الفعلية على أرض الواقع تعتمد تنفيذ خطة خبيثة ماكرة تستهدف فرض أمر واقع جديد.
وإزاء ذلك فإن رابطة علماء المسلمين تدعو وسائل الإعلام الحرة المختلفة وقادة الرأي والفكر والسياسة، إلى فضح هذه الخطة الخبيثة، والتعامل مع هذه الكارثة إعلاميًّا وسياسيًّا باعتبارها خطة تهجير واحتلال مكتملة الأركان، مع سبق الإصرار والترصد، يجب أن يسعى الجميع بكل سبيل إلى إيقافها على الأرض لا على ألسنة أكابر مجرمي الصهاينة وحلفائهم!
ثانيًا: تؤكد الرابطة دعمها المطلق لأهل فلسطين عامَّة ولأهل غزَّة خاصة، ونشهد أن أهل غزة قد أعذروا إلى الله وأدَّوا ما عليهم، بكل ما في جعبتهم؛ وأظهروا من الصمود والثبات في الميدان وعلى أرضهم ما يعجز عن وصفه بيان؛ وضربوا لذلك أروع صور الصبر والمصابرة والرباط؛ فاللهم اجزهم خير ما جزيت المجاهدين من أوليائك.
ثالثًا: إن حكام المسلمين وزعماءهم- الذي منَّ عليهم بالسلطان والقوة والمال- موقوفون بين يدي الله عزَّ وجلَّ وسائلهم جميعًا عن خذلانهم لهؤلاء المستضعفين، وعن سكوتهم عن هذه الإبادة التي لم يعرف لها التاريخ كله نظيرًا؛ فليعدوا للسؤال جوابًا، {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24].
رابعًا: ليس للشعوب المسلمة عذر بموقف حكامها المخزي للقيام بواجبها في نجدة ونصرة إخوانهم بكل سبيل، ولو أرادوا النصرة حقيقة لأعدُّوا لها عدتها، بأنفسهم وبأموالهم وبألسنتهم، ولما استطاع أحد أن يحول بينهم وبينها، امتثالًا لأمر الله عز وجل؛ {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 74]، ولأمره: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75]، ألا وليعلم هؤلاء وغيرهم أن الأيام دُول، وأن من أعظم ما يجلب النقم هو خذلان المظلوم وعدم الأخذ على يد الظالم؛ قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25].
خامسًا: على العلماء والخطباء أن يستمروا في البيان تلو البيان؛ مع السعي الدؤوب لتحريض الأمّةِ بكل سبيل؛ امتثالًا لأمر الله لإمامهم وقدوتهم، ومن ورَّثهم القيام بمهمته ورسالته، حيث قال تعالى مخاطبًا إيَّاه وأمَّته من بعده، وعلى رأسهم العلماء الربانيون: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} [النساء: 84]، وعليهم أن يصدعوا ببيان حكم الله فيمن يوالي المجرمين المعتدين من الصهاينة وحلفائهم، ويعينهم على أهل غزَّة؛ سواء بطعام أو سلاح أو غيره، وأن مثل هؤلاء ليس لهم ولاية على المسلمين.
سادسًا: نداء أخير إلى من لايزال لديهم بقية ضمير إنساني من أحرار العالم، ألا فليعلموا جميعًا أن هذا الكيان الصهيوني العنصري المجرم ومن يقف وراءه من حكام الشرق والغرب هم شركاء له في جريمته هذه التي هي جريمة العصر، بل وكل عصر، ولا تظنوا أنكم بمنأى عن الاكتواء بنار جريمته عاجلًا أو آجلا، فالأيام دُول، ولقد أثبتت أحداث غزَّة لكل ذي عينين أن هذا الكيان لا يعرف قانونًا دوليًّا ولا إنسانيًّا، ولا يرعوي عن جريمة يقترفها، ولا يردعه إلا القوة والأخذ على يديه، وأن تركه من غير حساب ولا كفٍّ إنما هو نذير شؤم على العالم كله؛ فإنه يسعى لجرِّ العالم كله إلى حرب عالمية لا تُبقي ولا تذر؛ لينجو هو وزعيمه المجرم من تبعات هذه الحرب!
سابعًا: نداء خاص لمسلمي أمريكا، فإن عليهم واجبًا ليس على غيرهم؛ فإن قدرهم أن يكونوا في هذه الدولة التي تنكَّبت مبادئها التي طالما تغنَّت بها ودعت إليها، وتلتخطت أيديها بدماء المسلمين؛ في كل مكان، ولولا ما يمدُّ به نظامُها الحاكم الحالي ذلك الكيانَ المجرم من أسلحة فتاكة، ما استطاع أن يستمر في هذه الحرب كلَّ هذه الفترة، ولا أن يتمرد على جميع القرارات الأممية الدولية ويضرب بها عرض الحائط، وأنتم على أبواب انتخابات جديدة، فاجمعوا كلمتكم ووحدوا صفوفكم، وكونوا على قلب رجل واحد في اختيار أقل المفسدتين وأخفِّ الضررين بما يدفع عن إخوانكم هذا الشرَّ المستطير، أو يخففه عنهم!
وأخيرًا فإننا نتوجه إلى أهل غزة الأبرار، لنبشّرهم بإحدى الحسنين؛ قال تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ}؛ [التوبة: 52] فليحسنوا ظنَّهم بربهم، وليعلموا بأنَّ عدوَّهم؛ مكلومٌ؛ مهزومٌ؛ يقاسي آلام الحرب؛ ويتجرَّع ويلاتها؛ مع الفارق العظيم بينكم وبينه؛ {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: 104]
واللهَ تعالى نسأل أن ينصر أهل غزَّة ويثبتهم، وأن يكبت عدوَّهم ويخزيه، وأن يرده خائبًا منهزمًا، وأن يبرم لأمة الإسلام أمر رشد يجمع على الحق كلمتهم، ويوحد صفَّهم، ويؤلِّف بين قلوبهم.