أقلام حرة

حشاني زغيدي يكتب: دلالة اللفظ في اللغة بين الإيجاب والسلب

وأنا أتابع سجال الحملة الانتخابية لرئاسيات السابع سبتمبر استوقفني سجال دائر في منابر التواصل حول أسلوب الخطاب بين القادة السياسيين المشاركين في الحملة الدعائية لبيان برامج المرشحين، وفي غالب يوجه الخطاب للجمهور العام والذي يفرض فيه لغة خاصة لتقريب الفهم وبيان عناصر القوة للمتنافس وهو أمر تقره قوانين المنافسة الدعائية.

 في هذا المقام أحببت أن أبين ضوابط لغوية مستعملة في خطاب التواصل والتي تعتمد ألفاظه على السياق الذي يُستخدم فيه اللفظ. في الإيجاب، يُستخدم اللفظ للإشارة إلى معانٍ إيجابية أو تأكيدية، بينما في السلب، يُستخدم لنفي أو إلغاء معنى معين.

البيان والتوضيح: قد يعتمد المخاطب ألفاظا مباشرة مفهومة و لا تحتاج لتأويل، بلغة فيها محتاجة وبيان، ليس فيها لغة الدلالات البيانية المعروفة عند أهل اللغة، كالمجاز والتشبيه والكناية والمقابلة، والتورية.

وفي مقامات الدفاع وضحد التهم و إزالة الغموض، فقد يلجأ المدافع لأساليب خاصة، القصد منها إزالة الغموض بلغة قريبة يفهمها الجمهور، وبنفس أسلوب لغة صاحب المؤامرة، بألفاظ المواجهة وألفاظ رد التهم تفهم في سياق عرضها وهي لغة وجدت لها، فكلمات مطروقة في القرآن الكريم: المكر والكيد ولفظة همت، وهمّ ألفاظ قرآنية سلبية، لو وظفت في استعمال عاديا لا باتت مرفوظة من الجميع، فلو قلت لرجل أو امرأة خداع او ماكر، فاللفظ يحمل دلالة سلبية في هذا السياق، بينما حين توظف في سياق آخر، في سياق المحاججة ورد تهم وجب ردها بنفس الكيل والمعنى بنفس سياقاتها اللغوية المعروفة.

فحين توظف في الإيجاب: هو استخدام اللفظ لتأكيد أو إثبات شيء ما على سبيل المثال، عندما نقول “يبني ويعمر، يزرع ويخرب في سياق مباشر معروف

بينما حين توظف في السلب: هو استخدام اللفظ لنفي تهمة أو إلغاء شيء ما. منسوب لي او لك بغرض التشويه فتدفعه بالمقابلة على سبيل المثال، عندما نقول “أنا مثلك في المكر والأصل المشترك اللفظ السلبي، مع أني لست مثله في المكر السلبي، إنما القصد نفي ننفي حقيقة معينة. بنفس ميزان الصرف عند الآخر.

منهج الفروق والمقابلة في شرح دلالات الألفاظ يساعد في توضيح هذه الفروق بين الكلمات المتقاربة في المعنى، مما يساهم في تحديد المعنى المراد بدقة.

ولنا أمثلة قريبة وظفها زعماء لاقت استهجانا ولغطا كبيرا في الساحة وهي من اجتهادات القائد في إيصال البيان لجمهوره، في هذا المقام أذكر حين كنت في ريعان شبابي في بداية التسعينات أيام المأساة الوطنية أن الكثير من تصريحات الشيخ الرئيس محفوظ نحناح رحمه الله، حينها لم يتقبلها بعض الجمهور المحسوب على جهات محددة من أطراف الأزمة، عملوا على تشويها بالقص أو التحريف أو إخراجها عن سياقها بدفاع المكر والغيرة. والمنافسة الغير شريفة، وجميع من عاش تلك الفترة في تاريخ أزمة الجزائر يعرف تلك المصطلحات والتي عرضت الشيخ للتحكم والاستهزاء من رعاع وبسطاء الأوهام أو من المغرضين

مع أن مصطلحات الشيخ الموظفة معروفة في سياق الاستعمال، وهي مألوف تنظيفها بقصد البيان لا محاكاة دلالة اللفظ السلبي، والكل يجمع بعفة الشيخ وطهارته ورفعة خلقه، لكن أساليب الدعاية المغرضة حولت تصريحاته لعكس الاتجاه في ساحة ملغمة غابت فيها قيم الإنصاف والمروءة، في ساحة تحتاج للأخلاق المنافسة.

في آخر كلامي نسأل الله أن يحمي الجزائر وأهلها وأرضها وسماءها، وقيمها وأصالتها، وأن يعلي شأنها برد كيد المتآمرين من أعداء الخارج وأزلام الداخل، وأن يجعل الجزائر عصية على الأعداء، يجعلها مناصرة لقضايا العدل في محيطه العربي والإسلامي.

حشاني زغيدي

مدير مدرسة متقاعد، مهتم بالشأن التربوي والدعوي، الجزائر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى