مقالات

يسري الخطيب يكتب: قطز وبيبرس والعز بن عبد السلام

يقول المؤرّخ والمفكّر الإسلامي الأردني الراحل د. زياد أبو غنيمة:

(سأزعم، بل سأجزم أن السبب الأهم، بعد قِلة الدين، فيما أصاب أمتنا العربية والإسلامية على مدى تاريخها القديم والحديث من هزائم ونكبات ومهانات وإذلال واحتلالات؛ هو الخيانة والخائنون.. وسأعترف بكل شجاعة أن أمة العرب والمسلمين هي الأجدر بين أمم الأرض: قديمها وحديثها، في دخول كتاب «جينيس» للأرقام القياسية كأكثر الأمم تفريخا للخونة والخائنين)

سيف الدين قُطُز

(محمود بن ممدود بن خوارِزم شاه)

– ابن دولة «أُوزبكستان» التي قدَّمَت للأمة أعظم الرجال: الإمام البخاري، والخوارزمي، والبيروني، والنسائي، والزمخشري، والترمذي، وغيرهم.

– لم يبقَ “قطز” في كرسي الحكم إلا 11 شهرًا، و17 يومًا فقط! لم يُكمل السنة!

سنة واحدة فقط، استطاع أن يغيّر فيها خريطة العالم الإسلامي، بل خريطة العالم كله.

– مات قطز -كما يقول الدكتور راغب السرجاني- بعد انتصار عين جالوت بـ50 يومًا فقط، وإن كانت فترة حُكمه صغيرة، إلا أنه كان من أعظم رجال الأرض.

إن قيمة الرجال وعظمتهم لا تقاس بطول العمر، ولا بكثرة المال، ولا بأبّهة السلطان.. إنما تقاس بالأعمال الخالدة التي تغيّر من وجه التاريخ، ومن جغرافية العالم، وهي في ذات الوقت تثقل في ميزان الله عز وجل.

– لماذا قتلوا قطز؟

يقول الدكتور محمد حسن عبد الله: القتل كان شيئا عاديا عند المماليك، فقد نشأوا بلا أب، وبلا أم، ولا يعرفون التراحم ولا النظام العائلي، يقدّسون السيف والقوة، ولذا لا نندهش من قتل بيبرس لصديقه قطز، فهذا كان من أبجديات حياة القادة المماليك للوصول للحكم، يقتل الصديق صديقه، بل وتقتل المرأة زوجها، في سبيل الوصول للقيادة.

– يروِي ابن كثير في كتابه «البداية والنهاية»:

(عندما وصل السلطان المظفّر قطز إلى ما بين الغزالي والصالحية بفلسطين، قاصدا مصر، عدا عليه الأمراء فقتلوه هنالك، وقد كان رجلا صالحا كثير الصلاة في الجماعة، ولا يتعاطى المسكر، ولا شيئا مما يتعاطاه الملوك، وكانت مدة ملكه من حين عزل ابن استاذه المنصور علي بن المعز التركماني إلى هذه المدة وهي أواخر ذي القعدة نحوا من سنة، رحمه الله وجزاه عن الإسلام وأهله خيرا، وكان الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري قد اتفق مع جماعة من الأمراء على قتله، وحمل عليه أولئك الأمراء بالسيوف فضربوه بها، وألقوه عن فرسه ورشقوه بالنشاب حتى قتلوه.»

– المؤرّخ جلال الدين السيوطي يرى أن سبب الأزمة رفض قطز إعطاء “ولاية حَلَب” للأمير بيبرس، فأضمرها في نفسه، ليقضيَ اللهُ أمرًا كان مفعولا، بالإضافة إلى غَيرة بيبرس وحقده، فهو يرى نفسه الأحق بالسلطنة.

– يقول المؤرخ المقريزي إن المماليك المعزية (مماليك أيبك وقطز) حاولوا اغتيال بيبرس، عقب عودته إلى القاهرة، فقتل بيبرس بعضهم، وسجن ونفى البعض الآخر، وتلك الأحداث وإن دلت على شيء، فإنما تدل على أن مقتل قطز كان نتيجة لعداءٍ قديم مُستحكَم بين المماليك البحرية الصالحية (مماليك أقطاي وبيبرس) والمماليك المعزية (مماليك أَيْبَك وقطز)

– المؤرّخ «ابن إياس» يرى أن الأسباب قديمة ترجع إلى أيام السلطان أَيْبَك وتشـريده معظم المماليك البحرية الصالحية، وقتله زعيمهم أقطاي، إذ صار مماليك أيبك، ومنهم قطز، أصحاب النفوذ والسلطان في مصر.

وقد روى المؤرّخ ابن إياس في هذا الصدد: «ولما تمّ أمر بيبرس في السلطنة، أحضرَ المماليك البحرية الذين كانوا منفيين في البلاد».

– ابن أيبك الدواداري يقول: هرَبَت جماعةٌ من الأمراء من خشداشيّة الأمير بيبرس البندقداريّ، وذلك في يوم قتال المغول، فعندما انتصر المسلمون في معركتهم، وبّخهم السيد قطز، وشتمهم، وتوعّدهم، لذلك أضمروا له الكراهية والسوء، ثمّ اشتعلت نيران الحقد والضغائن بين الطرفين منذ تلك اللحظة، كما أنّهم بدأوا يترقّبون الفرصة المناسبة للانتقام.

يقول بيبرس الدوداري: إن قَتْل قطز كان ثأرا قديما، وكان لرجال البحريّة الدور الأكبر في قتله، وذلك حتى يثأروا لسيّدهم أقطاي في شخص قطز الذي كان قائدا لقوات أيبك قاتل سيّدهم، وهو الرأي الذي يرجحه المؤرّخ الدكتور «قاسم عبده قاسم»

– أما المؤرّخون الإسلاميون فقد أجمعوا على أن سبب قتل بيبرس لقطز، هو الصراع الأيديولوجي: (الصوفية البدعية القبورية، والصوفية السلفية الجهادية) فقد كان قطز تلميذا للشيخ العز بن عبد السلام، يحفظ القرآن الكريم، ويحافظ على صلاة الجماعة، يُحرّم البِدَع، وزيارة الأضرحة، ويكفّر المسكرات والمجون والموبقات التي كان يتعامل معها معظم قادة المماليك،

أما بيبرس فهو صوفي قبوري، يؤمن بقوة الأولياء ونفوذهم، غير ملتزم دينيًّا، ويكره الفكر السلفي الذي بدأ ينتشر في تلك الفترة، على يد بعض الرجال غير المصريين..

(الصوفية الجهادية مدرسة قديمة، كانت مزيجا من: الزُّهد، والجهاد، والفكر السُّنّي، ومحاربة كل أنواع البِدَع في المجتمع المصري، مثل القبورية والاستعانة بالأضرحة، وكانت ترى كل ذلك شِركا بالله)

قطز لم يبقَ في كرسي الحُكم إلا 11 شهرًا، و17 يومًا فقط! لم يُكمل السنة!

سنة واحدة فقط، استطاع أن يغيّر فيها خريطة العالم الإسلامي، بل خريطة العالم كله

– لكن يبقى السؤال المُحيّر:

لماذا لم يقل الشيخ العز بن عبد السلام رأيه في مقتل تلميذه قطز، ولماذا سكتَ وهو الرجل الذي لا يخشى في الحق لَومة لائم؟

سمير زعقوق

administrator
كاتب صحفي وباحث في الشئون الآسيوية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *