توطئة:
والحديث عن الغايات القرآنية يقودنا بطبيعة الحال إلى تناول تعريف القرآن الكريم وأهميته وضرورة العيش في رحابه وخطورة هجره وتكذيبه باعتباره الكتاب الهادي والطريق الموصل إلى الله تعالى قال تعالى ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (٩) ﴾ [الإسراء: 9] ومنذ لحظة الخلق الأولى ونفخة الروح في هذا الإنسان كانت وظيفته وغاية وجوده الكبرى هي الاستخلاف في الأرض لتحقيق عبادة الله والعمران في الأرض كما ورد ذلك في نصوص الكتاب العزيز ومن مقتضيات هذا الاستخلاف أن سخر الله جل جلاله لهذا الإنسان كل ما في السموات والأرض جميعا منه ومنحه كافة أدوات التفكر والتأمل والتدبر والتعقل منذ لحظة التعليم الأولى قال تعالى ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة:31] التي شكلت الذاكرة والمخزون الذي يربط بين الذوات والاسماء والأسباب والمسببات ومعرفة القوانين الطبيعية الكونية الناظمة للاستفادة منها في بناء العمران وتحقيق التكليف الرباني – هداية وولاية – بالحياة الطيبة في الدنيا والسعادة الأبدية في الآخرة .
وارتبطت الظاهرة الإنسانية مع الظاهرة الشيطانية منذ بدايتها وفقا لمنطق الابتلاء والاختبار الذي أراده الله تعالى فالتكليف الإلهي يقوم على طاعة الله واتباع هداه ومخالفة الشيطان وتنكب سبيله فهناك سبيل الرحمن ونقيضه سبيل الشيطان فمن أطاع الله جل جلاله فقد هدي ورشد ومن سلك دروب الشيطان فقد ضل وغوى وكانت لحظة الغواية الأولى الكاشفة لطبيعة عمل الشيطان وأساليبه هي إخراج الأبوين (آدم وحواء) من الجنة وهبوطهم جميعا للأرض ساحة الفعل الإنساني وميدان التسخير والتكليف وقد عرف الإنسان عدوه الشيطان تجربة وإعلاما من الله جل جلاله ومع هذه البداية في التحول والهبوط إلى الأرض كانت العناية الإلهية تحوط هذا الإنسان حتى لا تجتاله الشياطين وتبعده عن الغايات والمقاصد التي خلق من أجلها وقد تنوعت ضروب العناية هذه من خلال جملة من الهدايات الربانية للإنسان حتى لا يترك لهواه ونزعات النفس الشاردة عن الهدى والحق أوتلبيسات الشيطان وتوهيمه فكانت أول الهدايات هداية الفطرة الكامنة في الخلق والدالة على خالقها ما دامت خالية من المؤثرات المضلة قال تعالى ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30] كما أن الفطرة السليمة مصحوبة بهداية العقل وبدهياته التي تشكل منطلقا أساسيا وأرضية ثابتة وراسخة في توظيف العقل ومعطياته للاستخلاف المنشود وقد جعل الله جل جلاله العقل مناط التكليف فلا تكليف لغير العقلاء ثم جعل من هداية التنزيل الرسالي وتتابع الرسل أعظم الهدايات وأكملها وأتمها إجمالا وتفصيلا وقد كان ذلك كله من نعم الله وفضله على عباده كيلا يكون للناس حجة على الله بعد الرسل والرسالات وقيام الحجة القاطعة قال تعالى ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾[النساء: 165] ولئن كانت هذه العناية الإلهية والرعاية الربانية لبني آدم فإن غوايات الشيطان للإنسان مصاحبة للمسيرة البشرية منذ ميلادها ليضل الناس عن سبيل الله وصراطه المستقيم كما ورد ذلك في كتاب الله تعالى ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الأعراف: 16]
ومضت مسيرة البشرية منذ آدم عليه السلام وصلته بالسماء متلقيا لهدايات الله دون انقطاع يحرم البشرية من نبع السماء وهداياتها ورحمتها ثم كان أول رسول ونبي نوح عليه السلام عندما تبدلت أحوال البشر وخرجوا عن الهدايات التي تلقوها من الله تعالى ومن هنا بدأ تاريخ الرسالات والنبوات بشكل مباشر للناس وبالتالي جعل الله سبحانه وتعالى قضية الإيمان به مرتبطة بالإيمان برسله وكتبه وهي ركن من أركان الإيمان قال تعالى ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: 285]
فنحن نؤمن بجميع الرسل والرسالات عبر التاريخ إجمالا – من سماهم الله لنا ومن لم يسمهم- ونؤمن برسالة النبي صلى الله عليه وسلم إيمانا مجملا ومفصلا وهذا ركن من أركان الإيمان أي لا إيمان لمن كفر برسل الله عليهم السلام أو كفر بواحد منهم أو برسالة أي منهم وقد ذكر تعالى في كتابه طائفة من الرسل والأنبياء ممن هداهم للصراط المستقيم وبين أن النجاة في اتباع هديهم والاقتداء بهم قال تعالى ﴿ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨) أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (٨٩) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (٩٠)﴾ [الأنعام: 88-90]
والدين المنزل من الله تعالى منذ بداية الخليقة حتى ختامها هو الإسلام وإن تعددت وتنوعت مسميات الكتب والرسالات فيه فهناك صحف إبراهيم وكتاب موسى عليه السلام وهو التوراة و كتاب عيسى عليه السلام وهو الإنجيل وكذلك الكتاب المشتمل على نبوءة داود عليه السلام وهو الزبور ثم كانت خاتمة تلك الرسالات بالكتاب العزيز وهو القرآن المتضمن لرسالة ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم كما أن هناك ما هو مشترك بينهم جميعا وهو الفرقان الذي نجده فيما أرسل به موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام وهو الصراط المستقيم والحكمة المشتركة والحاملة للقيم الرسالية كلها عبر التراكم التاريخي للرسالات قال تعالى ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ [الشورى: 13]
ومن خلال تتابع الرسل والرسالات للبشرية كلها عبر تاريخها الطويل دون انقطاع قامت الحجة الرسالية على الخلق فلا حجة لهم بعدها وذلك في كل أمة من الأمم قال تعالى ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (٢٤)﴾[فاطر: 24] وقال تعالى ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 165]
وعندما نتكلم عن الرسالة فهذا يعني الحديث عن أربعة أركان أساسية تتكون منها كل رسالة من رسالات السماء وهي:
1/ المرسل وهو الله جل جلاله وتقدست اسماؤه فالرسالة منه لعباده ويكون ذلك بالطرق المختلفة التي ذكرها الله في القرآن الكريم قال تعالى ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى: 51]
2/ المرسل إليه وهو الإنسان صاحب التكليف والتشريف الإلهي الذي كرمه على كثير ممن خلق وهيأه لحمل الرسالة لتحقيق العبادة والعمران مع التسخير الكوني والتمكين الفعلي لهذا المكلف.
3/ الرسالة وهي مضمون مراد الله جل جلاله وهدايته لخلقه وأحكامه التفصيلية لما يريده الله من العباد المكلفين وهو الإسلام الدين الذي ارتضاه الله لعباده.
4/ الرسول وهو المبلغ عن الله تعالى رسالته سواء تلقاها بالمباشرة أو بواسطة الرسول الملائكي وكل رسول معصوم فيما يبلغه عن الله تعالى من رسالة لأن الحجة قائمة بها فلا يمكن أن تقبل التحريف أو النسيان أو الإخفاء أو الخطأ في البلاغ.
تعريف القرآن الكريم:
وتأسيسا على ما سبق فإن القرآن الكريم هو رسالة الله جل جلاله المتضمنة لمراده عن طريق النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو خاتم الرسل والأنبياء ورسالته خاتم الرسالات وقد عرفه العلماء في كتب علوم القرآن والتفسير على النحو الآتي:
(القرآن الكريم هو كلام الله -تعالى-، المُنزل على نبيّه محمد -صلى الله عليه وسلم-، المعجز بلفظه، المتعبّد بتلاوته، المُفتتح بسورة الفاتحة، والمُنتهي بسورة الناس، المكتوب في المصاحف، المحفوظ في الصدور والمنقول إلينا بالتواتر)
فالقرآن كلام الله جل جلاله والكلام صفة ثابتة لله تعالى بالقرآن الكريم قال تعالى ﴿وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 164] ) وقال تعالى ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: 6] وقال تعالى ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: 143] وقال تعالى﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى: 51] وقال تعالى﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 174]
و قال الطحاوي وهو يبين عقيدة أهل السنة والجماعة:
(وأن القرآن كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولًا، وأنزله على رسوله وحيًا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقًّا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق مثل كلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر، فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر؛ حيث قال تعالى: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ﴾ [المدثر: 26]، فلما أوعد الله بسَقَرَ لمن قال: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾ [المدثر: 25] علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ومن وصف الله بمعنًى من معاني البشر فقد كفر، فمن أبصر هذا اعتبر، وعن مثل قول الكفار انزجر، وعلم أنه بصفاته ليس كالبشر) العقيدة الطحاوية (1/24 ) وهذا بخلاف مذهب الفلاسفة والمتكلمة الذين ذهبوا بأن كلام الله أمر نفسي وليس كلاما لفظيا على الحقيقة وكلام الله تعالى منزل بواسطة جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم والذي بلغه للصحابة رضوان الله عليهم كما سمعه من جبريل عليه السلام ونقله الصحابة لمن بعدهم بالتواتر وهو على هذه الصورة إلى يوم الناس هذا بل وإلى قيام الساعة .
والقرآن الكريم متعبد بتلاوته بخلاف غيره من أنواع الوحي غير المتلو وغير المتعبد بتلاوته كالسنة والحديث وكذلك الأحاديث القدسية المنسوبة إلى الله تعالى.
والقرآن الكريم يحمل في طياته البينات والبصائر المعجزة التي تؤكد مصداقية الرسول الحامل للرسالة والمبلغ لها والإعجاز يكون بكل القرآن وبجزء منه فالسورة القرآنية معجزة وقد تحدى القرآن العالمين بأن يأتوا بمثله ولكن هيهات ولا زالت بينات الكتاب جارية ومستمرة وتتكشف لكل أمة عبر الزمان كاشفة السبق العلمي والمعرفي والتشريعي ومؤكدة بأنه الحق المحض المنزل من الله جل جلاله كما سيأتي تفصيله.
والقرآن مكتوب ومقروء واكتسب اسم الكتاب لكونه مكتوبا في المصاحف واسم القرآن لكونه مقروءا من الصدور و يبتدأ هذا المصحف بسورة الفاتحة ويختتم بسورة الناس.
والقرآن الكريم هو كتاب الهداية الجامعة ومرجعية الملة كما عبر عن ذلك العلامة الشاطبي رحمة الله في تعريفه:
(إن الكتاب قد تقرر أنه كلية الشريعة، وعمدة الملة وينبوع الحكمة وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، وأنه لا طريق إلى الله سواه ولا نجاة بغيره ولا تمسك بشيء يخالفه) الموافقات (4/144).
والكتاب الخاتم للرسالات هو القرآن الكريم كما أن الرسول الخاتم للرسل والأنبياء هو محمد صلى الله عليه وسلم كما جاء ذلك في التنزيل الحكيم ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب: 40] والخاتمية يصاحبها الخلود والبقاء حتى قيام الساعة بأحكام صالحة ومصلحة لكل زمان ومكان وحال ومتصفة بالعموم والشمول في الخطاب والمكلفين فالخطاب شامل لكل أحوال الإنسان وحاجاته الدنيوية والأخروية كما أن المكلفين يخاطبهم جميعا بعيدا عن الخطاب القومي المحصور بل هو خطاب عالمي للناس كافة بمنطوق الكتاب العزيز ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107] وقال تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 28] وهذه الخاتمية للرسالة لكونها تعالج كافة الظواهر الإنسانية حتى قيام الساعة وهذه الظواهر متجددة عبر الزمان وحاجات ومعارف الإنسان فإن النص القرآني جاء وهو يحمل في دلالاته خاصيتي الثبات والتغير محققا بذلك التوازن المطلوب بعيدا عن منطق النسبية القائلة بالتغيير في كل شيء دون ثبات وصولا للعدمية وغياب المعنى للحياة كلها وبين الجمود الذي لا يواكب التجديد ولا يجيب عن التساؤلات والنوازل الحادثة وبطبيعة الحال لن يكون ذلك إلا لمن اتصف بالعلم المطلق في الحال والمآل وبالخير المطلق المنزه عن دوافع الشر والأهواء – وهو الله جل جلاله- علام الغيوب العالم بحاجات الإنسان وضروراته للاستخلاف والعمران وتحقيق التعبد بكل معانيه وهدايات الإنسان في كل مسيرته القاصدة إلى الله جل جلاله قال تعالى : ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ * قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ﴾ [سبأ: 48/50] .
والحمد لله رب العالمين.
د. حسن سلمان