أحمد سعد حمد الله يكتب: عائلة السيسي المالكة
منذ أربعة شهور تقريبا، وبالتحديد في يوليو الماضي، قرر الجنرال عبد الفتاح السيسي الإطاحة بوزير الدفاع الفريق محمد زكي، وتعيين الفريق عبد المجيد صقر بدلا منه.. بعده بشهرين تقريبا، أطاح باللواء عباس كامل من رئاسة جهاز المخابرات العامة، وعيّن مكانه اللواء حسن محمود رشاد..
الاثنان (زكي وكامل) كانا من أقرب المسؤولين العسكريين إلى السيسي، بل من أهم رجاله الذين اعتمد عليهم منذ 2013، وتحديدا منذ أن شاركاه في عملية الانقلاب على ثورة 25 يناير، وعلى الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي، لذا كانت الإطاحة بهما، مفاجئة لكثيرين من المراقبين للشأن المصري، وعلى وجه خاص عباس كامل الذي كان أكثر التصاقا به طوال العشر سنوات الماضية..
لكن وبالرغم من ذلك لم يتوقف الناس كثيرا أمام القرارين، فقد اعتادوا على صدور الكثير مثلها تحت حكم السيسي، وعلى نحو خاص بالمناصب القيادية الكبرى بمؤسسة القوات المسلحة، مثل الوزير، ورئيس الأركان، ورئيس المخابرات العسكرية، ومدير المخابرات العامة، وكلها مواقع طالها التغيير، ثلاث مرات أو مرتين على الأقل، حيث الواضح أن فلسفة السيسي في إدارة الدولة المصرية، قائمة على السيطرة على الجيش وإحكام القبضة عليه، والانفراد بإدارته، وهو أمر لا يتحقق إلا بالتغيير المستمر لقياداته، ومنع أي مسؤول به من الاستمرار بموقعه أكثر من عام أو عامين على الأكثر، فبذلك سيضمن ولاءهم الدائم له، وانتماءهم الشديد إليه، كما أنه يقطع الطريق أمام المتطلعين منهم إلى الوصول للسلطة، باعتبار أن الاحتفاظ بالمنصب فترة طويلة، يمكّن صاحبه من ترسيخ أقدامه، وتوسعة نفوذه، وكسب ولاءات مَنَ دونه، وهو ما قد يؤدي إلى فصل المؤسسة العسكرية عن مؤسسة الرئاسة، وعندها تتساوى الرؤوس، وتتشارك المصالح، والسيسي لا يريد شركاء معه في السلطة..
وما من شك في أن التغييرات المتوالية التي أجراها ويجريها السيسي داخل مؤسسة الجيش منذ 2014 وإلى الآن، سهلت له المهمة، ومهدت أمامه الطريق، لإجراء أي تغيير يريده بأي مؤسسة مدنية، مهما كان حجمها، فأصبح يرفع من يشاء، ويضع من يشاء، دون أن يجرؤ أحد على معارضته أو مناقشته!
والواقع أن أزمة الدولة المصرية الراهنة، ليست في تعامل السيسي مع الدولة المصرية والمصريين، من منطلق أنه إله لا يٌسأل عما يفعل، فيتصرف في أرضها متى أراد، وينكل بشعبها كيف يشاء، وإنما الأزمة الحقيقية، فيما تنتظره مصر في حال استمراه في الحكم لفترة مماثلة للتي قضاها حتى الآن، حيث تشي مواقفه وتصرفاته المعلنة، بالرغبة الجامحة، في تحويل مصر الجمهورية، إلى مملكة أو إمبراطورية، تكون فيها السلطة مقصورة عليه وعلى عائلته، ويكون هو الملك أو الإمبراطور فيها، ويكون الأبناء والأحفاد هم الأمراء وأولياء العهد، وهذا ما أظنه أصبح واقعا الآن، حتى وإن لم يٌعلن عنه رسميا..
سلطات العائلة السيساوية
يختلف عبد الفتاح السيسي عن أقرانه من ديكتاتوريات وطغاة العصر الحديث، ومن العسكريين الذين سبقوه في حكم مصر، في أنه لا يداهن في ديكتاتوريته، أو يناور في طغيانه، فما كان يتحرج السابقون من فعله في احتكار السلطة والبطش بالخصوم وتجويع الشعب، يفعله هو بمنتهى الأريحية والجرأة، بل إنه لا يجد حرجا في الإفصاح عنه والجهر به، وقد ساعده في ذلك أنه وجد منذ اللحظة الأولى من سطوه على الحكم، من يشجعه في طغيانه، ويعينه على بطشه، فكانت النتيجة أن تجبر في الطغيان وتوحش في البطش، فصار يتخلص من كل من كانوا حوله، ويطيح بكل من كان معه، وبات يحكم الدولة المصرية من منطلق أنه الإله الذي لا شريك له!!
هنا لا يجب أن نغفل عن أن اقتراب السيسي الشديد من بعض حكام دول الخليج، خصوصا الحكام الذي دعموه في الانقلاب على ثورة يناير ورئيسها المنتخب، جعله يطمع في أن يصير مثلهم، فيكون له الحكم حتى الممات، وتكون السلطة قاصرة عليه وعلى أبنائه وأحفاده، ومن ثم تكون كل ثروات البلاد وخيراتها، حكرا عليه هو وعائلته، فيكون له كما كان لفرعون موسى، ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحته؟!
واقعيا تشير سياسة السيسي في إدارة الدولة المصرية، واحتكاره السلطة، وقصر المناصب المهمة على أبنائه وأقاربه، إلى أنه صار في طريق تحويل مصر الجمهورية، إلى الدولة الملكية، حتى وإن كان في ذلك مخالفة للدستور والأعراف، فهو وباعتباره لا يٌسأل عما يفعل، لم يعد في حاجة إلى دستور، ولا تشغله الأعراف، فمن الناحية العملية، أصبحت كل مقاليد الدولة المصرية بأكملها في يده هو وأفراد عائلته، خصوصا أبنائه الثلاثة مصطفى ومحمود وحسن (حسب ترتيبهم العمري وليس لسلطاتهم أو أدوارهم) لأن محمود وهو الابن الأوسط بين مصطفى وحسن، يبدو هو الرجل الثاني في الدولة، وولي العهد، طبقا لنظام الحكم الملكي المزمع..
وإذا كانت هناك قناعة تامة لدى كل المصريين، باستحواذ السيسي وعائلته على السلطة، إلا أنه لا أحد يعرف على وجه الدقة، حجم تلك السلطات، وحدود الصلاحيات الممنوحة للأبناء وباقي أفراد عائلته، خصوصا وأنه أي السيسي يفرض سياجا حديدا من السرية حول أي معلومات تخص أبنائه الثلاثة، فليس مسموحا بنشر صور لهم أو معلومات عنهم كبيرة كانت أو صغيرة، بيد أن المعروف والمتداول، هو أن الثلاثة يعملون في مناصب رفيعة بالدولة، ويشغلون مواقع مهمة، كلها تمس عصب الدولة، فالنجل الأكبر مصطفى وهو ضابط قوات مسلحة برتبة غير معلنة يٌعتقد أن تكون لواء أو أكثر، يعمل حاليا بهيئة الرقابة الإدارية، في منصب غير معلن، مؤكد أنه منصب كبير، يليق بكونه نجل الرئيس، وهو بالتأكيد منصب يضعه في مكانة كبيرة، تتيح له إدارة الهيئة بأكملها، خصوصا وأن رئيسها الحالي وهو عمرو عادل في سن صغير (30 سنة فقط) كما يجعله المنصب صاحب نفوذ واسع داخل الدولة، طبقا للاختصاصات التي تمتلكها الهيئة، وهي اختصاصات تجعلها أحد أهم وأكبر مؤسسات الدولة الإدارية والمالية والأمنية، لا سيما بعد التعديلات التي ادخلها السيسي على اختصاصاتها مؤخرا (2017)، وجعلت سلطاتها تفوق سلطات مجلس الوزراء بأكمله، فمن اختصاصاتها مثلا (كشف وضبط الجرائم التي تستهدف الحصول على أي ربح أو منفعة باستغلال صفة أحد الموظفين العموميين أو أحد شاغلى المناصب العامة) وهو اختصاص كفيل بأن يجعل كل موظفي الدولة من الخفير للوزير تحت رقابة الهيئة ورحمتها!
أما النجل الأوسط محمود، وهو أحد المبشرين بالخلافة، فما يعرفه الناس عنه هو أنه عميد بالقوات المسلحة، يشغل منصب نائب رئيس جهاز المخابرات العامة، خدم أولا بجهاز المخابرات الحربية وترقى فيه حتى وصل لرتبة رائد، ثم انتقل في 2018 إلى المخابرات العامة، وكان وقتها برتبة الرائد، لكن تمت ترقيته إلى رتبة العميد مرة واحدة، متجاوزا بذلك رتبتي المقدم والعقيد، وبعد فترة وجيزة من العمل بالمخابرات العامة وتحديدا في 2019، أنهى السيسي عمله بالمخابرات العامة، وأعاده مجددا إلى المخابرات الحربية برتبته الجديدة، وفي تلك الأثناء ترددت أنباء عن سفره إلى روسيا في مهمة تدريبية لا يعرف أحد أي تفاصيل عنها إلى الآن، لكن وطبقا لصحيفة “إنتلجنس أونلاين” الفرنسية، فإن السيسي يعدُ نجله لتولي دور رئيسي داخل نظام الأمن في البلاد، ما هو هذا الدور، وما هي حدوده؟ لا أحد يعلم، لكن أشيع مؤخرا أنه بات يلعب دوراً بارزا في العلاقات السياسية بين مصر وإسرائيل، كما ترددت أنباء أنه قام بزيارة أولى إلى تل أبيب في 16 يناير 2022، التقى فيها مع كل من داڤيد برنياع مدير الموساد، ورونين بار زعيم الشاباك، وأهارون هاليڤا رئيس المخابرات العسكرية “أمان”
ويبقى الابن الأصغر حسن المتزوج من داليا نجلة الفريق محمود حجازي رئيس أركان القوات المسلحة السابق، والذي كان يشغل منصبا مهما بإحدى شركات البترول الحكومية، لكنه نٌقل منها إلى جهاز الرقابة الإدارية ليكون بجانب الشقيق الأكبر مصطفى، لمعاونته في الأعباء الثقيلة التي يحملها داخل الجهاز، أو ربما لتأهيله وإعداده لتولي مهمة أكبر، أغلب الظن أنها ستكون بجهاز المخابرات العامة، لتصبح بذلك كل الأجهزة الاستخباراتية بالدولة بيد السيسي وأبنائه..
نفوذ شقيق السيسي
اقتصار المناصب الكبرى بالدولة على عائلة السيسي، لم يتوقف عند حدود الأبناء فقط، إنما طال الأسرة بأكملها، رجالا ونساء، فحرمه (انتصار عامر) هي المحتكرة الآن لكل المناصب التي تتعلق بشؤون المرأة في مصر، كما أنها تكاد تكون المسؤولة الوحيدة عن إدارة كل المؤسسات الاجتماعية بالدولة، فضلا عن إشرافها على المحتوى الدرامي لأي مسلسلات يتم عرضها بالتليفزيون، أرضيا كان أو فضائيا، هذا بخلاف تدخلها في نوعية البرامج التي تذاع بالتلفزيون واختيار المذيعين والمذيعات، خصوصا البرامج المتعلقة بشؤون المرأة، وكذلك الحال بالنسبة لنجلته الصغيرة آية، والتي أصبح لها دورا بارزا في إدارة الملفات النسوية في مصر، فضلا عن المناصب التي يحظى بها زوجها نجل اللواء خالد فوده المحافظ السابق لجنوب سيناء، والمستشار الحالي للرئيس..
وبعيدا عن الزوجة والابنة والأبناء، فإن المناصب التي يشغلها الشقيق الأكبر للسيسي وهو المستشار أحمد سعيد حسين نائب رئيس محكمة النقض، لا تقل حجما وأهمية عن المناصب التي يشغلها بقية أفراد العائلة، فهو الرئيس الحالي لوحدة مكافحة الإرهاب وغسل الأموال، تلك الوحدة التي تضم في عضويتها وتحت رئاسته شخصيات أمنية ومصرفية وقضائية كبيرة، وهو منصب غاية في الأهمية والحساسية، لأنه يعطي للمستشار السيسي الصلاحية لمراقبة البنك المركزي، والاطلاع على كافة معلوماته العامة والسرية بداخله، فضلا عن رقابة البنوك والاطلاع على حسابات العملاء بها، وهو أمر يمكّن السيسي من التعرف وبدقة على حجم الأموال المتداولة في مصر، فضلا عن معرفة الأوضاع المالية لكل المصريين..
ونفوذ المستشار السيسي، لا يقف عند حدود سلطاته التي يكتسبها من رئاسته لوحدة مكافحة الإرهاب وغسل الأموال، إنما يمتد إلى التأثير في المؤسسات الأمنية، والتحكم في المؤسسات المصرفية، فضلا عن هيمنته على المؤسسة القضائية، وقد ظهر هذا جليا في أزمة التعديلات التي أدخلت مؤخرا على قانون السلطة القضائية، تلك التعديلات التي جردت مجلس القضاء الأعلى من حقه في اختيار رئيسه ورئيس محكمة النقض، وفوضتها لرئيس الجمهورية..
وعلى الرغم من المزايا العديدة التي يكتسبها المستشار السيسي من كونه الشقيق الأكبر لرئيس الدولة، إلا أنه ليس مسموحا له بأن ينال شرف ذكر أسمه مقرونا بلقب العائلة وهو السيسي، وإنما باسمه الثلاثي فقط “أحمد سعيد خليل” فلحاجة في نفس يعقوب، هناك توجيهات عليا تحظر ذكر اسم المستشار أحمد مقرونا بلقب العائلة، سواء كان ذلك في الإعلام، أو في المصالح الرسمية بالدولة..
ولكي يضمن السيسي استمرار شقيقه في هذا المنصب المهم مدى الحياة، أجرى قبل عامين تعديلا تشريعيا استثنائيا، يقضي بمد سن التقاعد للقضاة، فسمح بذلك باستمرار شقيقه بمنصبه الحالي، حيث أنه وطبقا للقانون القديم، كان المفترض أن يٌحال المستشار السيسي للتقاعد 2022 لبلوغه السن القانونية للتقاعد 70 عاما، هذا فضلا عن أن قانون غسل الأموال كان يحدد مدة رئاسة الوحدة بعامين فقط، والسيسي المستشار قضى في رئاستها ستة أعوام، ومستمر فيها إلى الآن، وسيبقى فيها حتى الممات!
ألم أقل لكم أنها عائلة مالكة؟!