مصطفى عبد السلام يكتب: احتموا بالأصول الآمنة في زمن المخاطر
المخاطر الجيوسياسية تتزايد بشدة هذه الأيام حول العالم، روسيا تطلق صاروخاً باليستياً عابراً للقارات على أوكرانيا في تصعيد هو الأول من نوعه، خلال الحرب الدائرة بين البلدين منذ فبراير 2022.
هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها روسيا هذا النوع من الأسلحة بعيدة المدى في حربها ضد أوكرانيا، وهنا تكمن الخطورة من تكرار الخطوة، حيث يمكن لتلك الصواريخ حمل رؤوس نووية أو تقليدية.
إقدام روسيا على تلك الخطوة جاء عقب شنّ أوكرانيا هجوماً عليها بصواريخ «كروز» حصلت عليها من حليفتها بريطانيا، وعقب سماح إدارة بايدن لحكومة زيلينسكي بمهاجمة الأراضي الروسية بأسلحة أميركية الصنع. وزارة الدفاع الروسية تؤكد أن أوكرانيا أطلقت صواريخ أميركية بعيدة المدى على روسيا لأول مرة في ضربة على منطقة بريانسك الروسية.
قبلها مباشرة خرج علينا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليهدد الغرب بالحرب النووية ويعدل شروط استخدام الأسلحة النووية الروسية، ويوقّع على وثيقة محدثة لاستخدام السلاح النووي «ضد تهديدات الغرب». الوثيقة تفيد بأن «أي هجوم تقليدي تقوم به أي دولة على روسيا بدعم من قوة نووية سيعتبر هجوماً مشتركاً، كذلك إن أي اعتداء على روسيا من قبل دولة عضو في تحالف، يعتبر عدواناً من قبل التحالف بأكمله».
الكرملين ينضم إلى حالة التسخين في المحور الروسي الغربي، حيث اعتبر أن توسيع احتمال استخدام السلاح النووي رد «ضروري» على ما يرى بوتين فيه «تهديدات» صادرة من الغرب ضد أمن روسيا.
وفي منطقة الشرق الأوسط لا تزال المخاطر الجيوسياسية على حالها من حيث درجة الغليان، ولا تزال هناك أجواء مشحونة بالمخاوف من اندلاع حرب شاملة في المنطقة.
فإسرائيل لا تزال تواصل شنّ حرب الإبادة الجماعية على غزة، والمواجهة بين حزب الله اللبناني وجيش الاحتلال تتصاعد مع استهداف الحزب العاصمة تل أبيب ومواقع استراتيجية وحساسة بصواريخ ثقيلة.
ولا يزال هناك تصاعد في منسوب التوتر بين إسرائيل وإيران مع استمرار الحرب في قطاع غزة واشتداد المعارك في لبنان.
ولا تزال طهران تعلن إصرارها على الرد على الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع عسكرية الشهر الماضي، بل يخرج علينا المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بداية الشهر، متعهداً بـ«رد قاسٍ» على الولايات المتحدة وإسرائيل على ما تفعلانه ضد إيران ومحور المقاومة.
المخاطر الجيوسياسية حول العالم من المتوقع أن تتصاعد أيضاً بمجرد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في نهاية يناير المقبل.
فإدارة ترامب مصممة على إحياء سياسة «الضغط الأقصى» وفرضها على إيران، ودفعها إلى الإفلاس في أقرب وقت ممكن، وبالتالي كبح قدرتها على تطوير الأسلحة النووية وتمويل الوكلاء الإقليميين في المنطقة، خصوصاً جماعة الحوثي وحزب الله، حسبما نقلت صحيفة فايننشال تايمز قبل أيام.
كذلك سيسعى فريق ترامب للسياسة الخارجية لتشديد العقوبات على طهران، بما في ذلك صادرات النفط الحيوية، كما جرى في ولايته الأولى (2017-2021).
ترامب مصمم أيضاً على إشعال واحدة من أكثر الحروب التجارية والاقتصادية حدة وشراسة، بفرض رسوم جمركية عالية على واردات الولايات المتحدة من معظم دول العالم، وفي المقدمة الصين والاتحاد الأوروبي وأميركا اللاتينية وغيرها، وهذه الحرب قد تغذي موجة تضخم عالمية تتبعها قلاقل سياسية واجتماعية حول العالم.
في ظل هذا المشهد المرتبك والتوترات العسكرية في أوكرانيا والشرق الأوسط، ووسط كل تلك المخاطر الجيوسياسية المتزايدة، فإن على المستثمرين والأسواق حول العالم الاحتماء بالأصول الآمنة، وفي مقدمتها الذهب والمعادن النفيسة والعملات الرئيسية مثل الدولار، بهدف تفادي الخسائر وربما الإفلاس، والابتعاد -ولو مؤقتاً- عن الأصول عالية المخاطر، بما فيها العملات الرقمية والبورصات وغيرها.