د. حلمي الفقي يكتب: كلا إن معي ربي سيهدين
الثقة في نصر الله، واليقين التام في تأييد الله، وعونه، ومدده من سمات المؤمنين، وعلامات المتقين، واليقين أهم مزايا المجاهدين من المؤمنين في أوقات الأزمات، وحين نزول البلاء، وحين ينتفش الباطل، ويعلو صراخه، ويرتفع صراخه.
ونحن المؤمنين لا نشك لحظه أننا في عين الله، وحمايته، وإن أطبقت علينا الأهوال، والنوازل، والمصائب، والبلايا، فيكفينا قول ربنا ﴿وَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعۡيُنِنَاۖ﴾ [الطور: 48]
فتخيل كيف تكون الثقة في النصر إذا صرحت أمريكا وأوروبا وروسيا والصين أنهم مجمعون على دعمنا، ومستمرون في مددنا،
وأنهم خلفنا يبذلون النفس والنفيس من أجلنا، فهل يشك أحد في أننا الطائفة المنصورة والراية المرفوعة.
وهذا مجرد دعم من مخلوق ضعيف فكيف لو قال لنا الخالق أنتم في عين الله وحفظه، الله حاميكم، الله معكم، الله ناصركم،
وقد قال جل جلاله لنا ذلك في أكثر من آية في كتابه الكريم،
ووعدنا بالنصر والعز والتمكين، فيجب على كل مؤمن أن يكون علي يقين لاشك فيه أن النصر حليفنا والفوز من نصيبنا،
وأن رفع الراية البيضاء هو عمل الأعداء، ﴿وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا﴾ [الإسراء: 51]
ولا نشك لحظه في وعد ربنا (ألا إن نصر الله قريب) (البقره:14)
وفي اللحظات الحرجة، وحين ينتفش الباطل، وتعلو رايته يظل المؤمن علي يقين أثبت من الجبال أن الله منجز وعده، وناصر عبده،
حتى لو اجتمعت الدنيا كلها لاستئصال شأفة الإسلام، وفي المقابل يهرول المنافقون، وسريعا ما يهتفون، ﴿مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ إِلَّا غُرُورٗا﴾ [الأحزاب: 12]
فإذا اصطفي الله عز وجل من عباده المجاهدين شهداء، ارتفعت حناجر المنافقين {لَوۡ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُواْۗ} [آل عمران: 168]
يقول الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه البابا والإسلام: «عقيدة التوحيد تحرر الإنسان من الخوف والذل، واليأس، والكآبة، والقلق،
وتضع يد المسلم في يد الله، وتمده بقوه خارقه، حين يعلم أن الله معه وأنه قريب منه، وأنه يعلم سره ونجواه، وأنه حافظه وحاميه،
فيشعر بالأمن والسكينة، التي لا يشعر بها الجاحدون ولا الشاكون، ولا المشركون»
الله مع المؤمنين
نحن المسلمين كلنا ثقه لا تعرف الشك بأن الله معنا، وأن الله ناصرنا، وأن الله حافظنا وحامينا، وهذه العقيدة، وهذا اليقين،
هو ما يجب أن يكون عليه المؤمنون في كل أوقاتهم، وجميع أزماتهم، إذا كان النصر حليفنا، أو كانت الهزيمة قدرنا، أو حتي قبل حسم المعركة،
وحين اشتداد البأس، والتحام الصف، وتطاير الرؤوس، ومالنا لا نوقن بالنصر والله عز جل جلاله يقول في كتابه:
{وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} [الأنفال: 19]
ويقول سبحانه وتعالي {فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ} [محمد: 35]
ومعيه الله للعبد قسمان:
الأول: المعية العامة لجميع الخلق
ومعناها: أن الله تبارك وتعالي هو المدبر لأمر الوجود كله، وهو الذي بيده كل شيء، وهو الحافظ للكون بكل مافيه ومن فيه، قال تعالي:
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ لَا تَأۡخُذُهُۥ سِنَةٞ وَلَا نَوۡمٞۚ لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ} [البقرة: 255]
وقال تعالي: {وَهوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} [الحديد: 4]
وقال جل جلاله:
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَيمۡسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ}
[الحج: 65]
الثاني: المعيه الخاصة:
وهي معيه الله سبحانه وتعالي لأنبيائه ورسله، والمجاهدين في سبيله، والصالحين من عباده بالنصر والتأييد، والمعونة والإعانة، والتوفيق والسداد، والحفظ والرعاية، وفي القرآن الكريم
{قَالَا رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفۡرُطَ عَلَيۡنَآ أَوۡ أَن يَطۡغَىٰ ◘ قَالَ لَا تَخَافَآۖ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ}
[طه: 45-46]
وقال سبحانه وتعالي: {وَلَقَدۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ موسَىٰٓ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِي فَٱضۡرِبۡ لَهُمۡ طَرِيقٗا فِي ٱلۡبَحۡرِ يَبَسٗا لَّا تَخَٰفُ دَرَكٗا وَلَا تَخۡشَىٰ}
[طه: 77]
وهنا لابد من وقفه:
حين خرج موسي ومن معه من المؤمنين فارين بدينهم خوفا من فرعون وملائه أن يفتنهم في دينهم، فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا
{فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلۡجَمۡعَانِ قَالَ أَصۡحَٰبُ موسَىٰٓ إِنَّا لَمدۡرَكُونَ 61 قَالَ كَلَّآۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ}
[الشعراء: 61-62]
وحين تراءى الجمعان علت حناجر المنافقين، بهلوستهم المعهودة عبر السنين، وهرطقتهم الممتدة عبر القرون {أَتَوَاصَوۡاْ بِهِۦۚ بَلۡ همۡ قَوۡمٞ طَاغُونَ} [الذاريات: 53]
قال المنافقون من جند موسي (إنا لمدركون) قالوها علي سبيل السخرية والاستهزاء بموسي وهارون،
قالوا لقد أدركنا فرعون وجنوده وأصبح الهلاك محققا، والخسران واقعا، والبوار محتما، والنجاة اليوم هي درب من الخيال، ومحض أوهام،
والسبب في كل هذه المصائب موسي وهارون، وهذا جزاء من انخدع بكلام موسي واتبعه، وأكثروا من هذا الكلام،
وهذا عين ما يردده المنافقون في كل زمان ومكان، وقالوا: (أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا)
وقالوا: هل هذا هو النصر والتمكين الذي وعدتنا به يا موسى، ما وعدتنا إلا غرورا،
كما قالوها بعد آلاف السنين في غزوة الخندق (ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) وفي وسط هذا السيل الجارف من التهكم والسخرية،
والتسليم بالبوار واليقين بالخسران من جانب المنافقين في جند الموحدين،
قال كليم الله موسي بيقين أثبت من الجبال (كلا إن معي ربي سيهدين)
قالها موسي بثبات لا يعدو عليه شك ويقين لا يعتريه وهن، وهنا العجب العجائب، أني لموسي هذا اليقين،
وقد نزلت بهم المهالك، وضاقت عليهم المسالك، ولا أمل في نجاة حتي قال العلماء: إن هذه الثقة،
وهذا اليقين في هذا الوقت الحرج هو الذي ارتقي بموسي إلي مصاف أولي العزم من الرسل،
فكانت النتيجة التي أذهلت الدنيا كلها عبر التاريخ، وهي
{فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ موسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كلُّ فِرۡقٖ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ 63 وَأَزۡلَفۡنَا ثَمَّ ٱلۡأٓخَرِينَ 64 وَأَنجَيۡنَا موسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓ أَجۡمَعِينَ 65 ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا ٱلۡأٓخَرِينَ}
[الشعراء: 63-66]
وكانت نجاة موسي ومن معه، وغرق فرعون وجنوده، لأن موسي اتخذ الله ربا، ولا كرب على من اتخذ الله رب.
وقال علماؤنا:
إن الثقة بالله تفتح جميع الأبواب المغلقة، وإذا أراد الله شيئا هيأ له أسبابه، حتى وإن كانت المقدمات لا توحي بالنتائج.
(فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم) وتلكم هي سنه الله في الكون إهلاك الظالم وهو في أتم قوته، ونصره المظلوم،
وهو في أتم ضعفه، ولا يقدر على ذلك أحد إلا الله، ولا ينال ذلك النصر العظيم والمقام الرفيع إلا أصحاب اليقين في نصر الله للمؤمنين مهما كانت الأحوال.
قال سبحانه وتعالي: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ} [القصص: 5]
وقال جل جلاله: {وَأَوۡرَثۡنَا ٱلۡقَوۡمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يسۡتَضۡعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلۡأَرۡضِ وَمَغَٰرِبَهَا ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَاۖ وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلۡحسۡنَىٰ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ بِمَا صَبَرُواْۖ وَدَمَّرۡنَا مَا كَانَ يَصۡنَعُ فِرۡعَوۡنُ وَقَوۡمُهُۥ وَمَا كَانُواْ يَعۡرِشُونَ} [الأعراف: 137]