من المسلسلات الرمضانية الرديئة التي قد لا تسمع عنها مسلسل: «الحلانجي»، هكذا يكتبونها، وإن كان الصواب هكذا: «الحَلنجي».
ولا شك أن اسم المسلسل -بغضِّ النظر عن جودته الفنية وأداء أبطاله- مُلهم؛ فشخصية «الحَلنجي» حاضرة حضورًا طاغيًا حولنا. لكل مجال «حلنجيته». «الحلنجي» هو ذلك الشخصي الفهلوي الذي يتذاكى على من حوله، ويسعى إلى تحقيق أكبر مكسب بأقل جهد وبأقصر طريق. «الحلنجي» شخص يجيد الكذب والمكر والخديعة والنفاق وخلط الأوراق والتدليس. «الحلنجي» لا يخجل من «بيع الماء في حارة السقايين». «الحلنجي» يدَّعي المعرفة والحكمة، وهو إلى الجهل والحماقة أقرب، يرتدي ثوب المثالية، وهو منها خالي الوفاض. لا بضاعة لـ«الحلنجي» سوى الكلام وإعادة تدويره وتغيير مواقفه واستبدال كلامه حسب المصلحة.
«الحلنجي» لا يحب سوى نفسه، وهو عدواني بطبعه، وتتفاقم عدوانيته ضد مَن تتقاطع مصالحهم مع مصلحته. عدوانية «الحلنجي» ليست عابرة، بل مُفرطة غاشمة مركبة. «الحلنجي» لا يصون معروفًا ولا يحفظ عِشرة ولا يُعلي مَكرُمة..إجمالاً هو شخص بلا مبدأ!
وفي مصر «حَلنجية» كثر، ولكل مجالٍ «حلنجيتُه» الذين يتقنون «الحنجلة» ويعرفون دروبها وإحداثياتها أفضل من تطبيق «جي بي إس»، بل ويحصلون فيها على درجة الدكتوراه، وهي ليست -بطبيعة الحال- دكتوراه حقيقية، بل تشبههم وتواكب طبيعتهم الزائفة.
في دول العالم الثالث يتعاظم دور «الحلنجي»، ويتصدر الصفوف، ويقتنص المناصب، ويصطاد الجوائز. «الحلنجية» لا يقتصر وجودهم على المهن البسيطة، ولكنهم حاضرون في الجامعة وبين أصحاب العمائم وفي الإعلام.. وقِس على ذلك البواقي!
لا يخجل أكاديميون من «الحنجلة»؛ لينتزعوا مناصب لا يستحقونها ووظائف غير جديرين بها. يدهس «حنجلية» الجامعة كرامة الأستاذ الجامعي تحت نعالهم؛ من أجل أهداف رخيصة. وإن كانت «الحنجلة» في الجامعة واضحة للعيان، فإنه ليس هناك أسوأ من «حنجلة» أصحاب العمائم الذين يوظفون الدين لخدمتهم الشخصية، ويتقربون به زلفى لأسيادهم الذين اتخذوهم من دون الله، فيصير الحلال حرامًا والحرام حلالاً؛ حتى يبقوا في دائرة الضوء ومربع الرضا الدنيوي. المشايخ «المتحنجلون» أفسدوا على الناس دينهم؛ لا سيما النشء الجديد! قراء القرآن الكريم أيضًا «يتحنجلون» رغم ما اُستحفظوا من كتاب الله، و«الحلنجي» منهم يصل إلى أبعد نقطة ويحصل على ما لا يستحق، أمَّا الذين لا «يتحنجلون» فيطويهم النسيان، وتنطفئ عنهم الأضواء، ولا يتم استقراؤهم ولا استدعاؤهم في المناسبات الدينية المهمة.
أمَّا «حلنجية» الإعلام، فهم الأسوأ والأضل سبيلاً والأشد تأثيرًا؛ بما يروجونه من أكاذيب وأباطيل تُملى عليهم بُكرة وأصيلاً. «حلنجية» الإعلام -الذين تفاقم دورهم في السنوات الأخيرة- مجموعة أراجوزات تثير الضحك حينًا، وتثير الشفقة أحيانًا، لا هدف لهم ولا رسالة إلا أنفسهم، يخدعونك بوطنية زائفة، وهم ينطبق عليهم قول معروف الرصافي: لا يخدعنك هتاف القوم بالوطن/ فالقوم في السر غير القوم في العلن!