مقالات

حاتم سلامة يكتب: لا يفتى ومالك في المدينة

كان السلف يقولون: لا يفتى ومالك في المدينة.

ولله درهم في احترام الفتوى وتقديسهم لمكانتها، وأن القائم بها في فهمهم لابد أن يكون عليما حكيما قديرا.

أدرك السلف من قديم أن العبث في الفتوى يجر إلى الريبة والاضطراب، وسوء الحال والمنقلب.

بل يدفع إلى الضلال والزيغ، ومن هنا كان إعلانهم المدوي: لا يفتى ومالك في المدينة.!

 حينما كنت في المملكة العربية السعودية وتحديدا في عام 2010 صدر قانون توحيد الفتوى وقصرها على الجهات المخولة رسمياً وشرعياً، استناداً إلى الأهلية الشرعية المعتبرة، ومنعاً لتداخل وتعدد الفتاوى، خاصة مع انتشار فتاوى الفضائيات والمواقع الإلكترونية.

المملكة تسبقنا بسنوات على طريق الوعي الديني والمجتمعي، وبغض النظر عن اختلاف المدارس والمناهج والطبائع بين واقعنا وواقع المملكة، إلا أن مصر في حاجة ماسة لمثل هذا القانون الرادع لكل أفاق ضال يعبث بمقدرات الدين وثوابته.

تقنين الفتوى في مصر سيغلق بابًا عظيما من الفتن والجدل والفوضى وتأليب المجتمع ومحاولة تشكيكه في معتقداته، وهو ما ينافي مقاصد الشريعة العظمى في تحقيق سلامة الخلق ومصالح البلاد في الامن والاستقرار.

العبث التي تشهده مصر في الآونة الأخيرة يضر بمكانة الأزهر وعلمائه، ولعل القانون يعيد لهم هيبتهم الكبرى في النفوس، واحترام مكانتهم في الوعي والعقول.

نحن ننتظر من مصر أن تسارع إلى هذا القانون الذي تتم دراسته هذه الأيام، ولا شك أنه سيحدث صدمة عنيفة لدى قطاعات من العلمانيين والملحدين وأعوانهم من الإعلاميين المرتزقة التي يسترزقون على إثارة الفتن المجتمعية باسم الفتوى والتجديد والفكر وحرية الرأي.

الدولة لا يمكن لها أن تترك أمر الفتوى هملا في أيدي حفنة من المارقين الذين يعبثون بثوابت الدين ويضرون بعقيدة الشعب، ولو نفذ هذا القانون وجعلت له عقوبته الرادعة فسوف نستريح كثيرا من عبث العابثين وجهل المريبين وزيف الحاقدين.

لو صدر القانون لنا نرى بعد ذلك أمثال سعد الدين الهلالي ولا سعاد صالح ولا كريمة ولا أمثال هؤلاء الذين يضربون أفهام الناس وأحكام الدين المعلومة في حياتهم بالآراء الشاذة المرفوضة، وهم عندي أخطر من العلمانيين في إضرارهم للدين وعدائهم له.

جميل أن تتنبه الدولة لمثل هذه الهزل وتغلق بابه بالقانون.. مع العلم بأنه لن يغلق باب الاجتهاد لمن يتقولون بهذا، فمن أراد الاجتهاد فليعرض اجتهاده على الهيئة ورجال الإفتاء الذين يقومون الكلام وفق النصوص ومقاصد الشريعة، ولن تكمم الأفواه لكننا بالقانون نريد المرجعية ونبحث عن المآل الذي نثق فيه لنحمي حياتنا ووطننا من هذا الهرج.

لكن ما يدهشني في الموضوع هو إصرار وزير الأوقاف الدكتور إسامة الأزهري أن يجعل من الأوقاف إحدى هذه الجهات المخولة بالفتوى، وكأن الأزهر أو دار الإفتاء قصرتا في المهمة والرسالة المنوط بها كلاهما.

الوزير يحرص على رفعة مكانته وتحقيق إنجاز في عمله وهذا محمود له، لكن أن تظهر فتوى تغاير فتوى الأزهر الذي يقوم عليه علماء أكفاء منتقون بعناية ودقة وتكونت منهم هيئة كبار العلماء المصرية، ذلك تنوع مرفوض، ليس في صالح الدين والدعوة.

أرى أن يلتفت معالي الوزير بالدعوة ويعمل على البلوغ بها أسمى مراتب التمكين فتلك وظيفة رجال الأوقاف وأئمة مساجدها، أما الحديث عن الرأي القاطع والافتاء في مسائل الدين، فالأزهر وحده ومعه دار الإفتاء من يتحمل فيها الرأي والاجتهاد.

يمكن للأوقاف أن تحقق إنجازات عظيمة في خدمة الإسلام بعيدا عن دنيا الفتوى.. وإن كان الوزير يحسن الظن برجاله، فالأمر لا يحتمل حسن الظن من عدمه، فلدينا هيئة كبار العلماء ودار الإفتاء يقومون بالواجب على أكمل وجه.

حاتم سلامة

كاتب وصحفي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى