مقالات

د. نصر فحجان يكتب: ذو القرنين.. هل هو نبيُّ الله سليمان عليه السلام؟

تتقاطع شخصية نبي الله سليمان عليه السلام مع شخصية (ذي القرنين) الذي تتحدث عنه سورة الكهف في كثير من الجوانب والمجالات بشكل لافت، ما يجعلنا بعد البحث والدراسة أن نقول بوحدة الشخصيتين، وأنّ أغلب الظنّ أن يكون ذو القَرنَين هو نبي الله سليمان عليه السلام، وأنّ اللقب (ذا القرنين) هو لقبٌ للتعريف والتمييز، يدلّ على أهم ما اشتُهر به سليمان عليه السلام في حكمه ومُلكه ونبوته.

فهل ذو القَرنَين هو سليمان عليه السلام فعلًا؟

في القرآن الكريم آياتٌ كثيرة تُشير إلى أنّ ذا القَرنَين الذي تتحدث عنه سورة الكهف وسليمان عليه السلام شخصيةٌ واحدة، وأنّ الحديث عنهما يكاد يكون متماثلًا ومتطابقًا، وهو ما سنتأمّله ونتدبره خلال هذه الصفحات بإذن الله تعالى.

وقبل البحث في الأدلة والقرائن والبراهين التي يمكننا الاستناد إليها في الترجيح والاختيار، فإنّ السؤال الأول والأهم الذي يجب أن نجيب عنه هو:

هل ذو القَرنَين نبيٌ من أنبياء الله تعالى؟

الدليل الأوّل على نبوّة ذي القرنين:

يقول الله تعالى:

{قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا}

الكهف/ 88-86، وفي هذه الآيات يمكننا الوقوف على بعض الإشارات والدلالات:

1- قوله تعالى: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} الكهف/ 86، وفي الآية إشارة إلى أن الله تعالى يخاطب ويكلّم ذا القَرنَين:

{يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ}، ويُكلّفه ويعطيه التعليمات وحيًا، وأن ذا القَرنَين يستجيب لأمر الله تعالى طائعًا:

{قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} الكهف/ 88-86، وهذا دليل على أن ذا القَرنَين نبيٌ من أنبياء الله كان يوحى إليه من ربه، ويتلقَّى الأوامر والتكليفات والتعليمات من الله تعالى.

2- في قوله تعالى:

{إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} الكهف/ 86، إشارة إلى أنّ ذا القَرنَين كان مفوَّضًا من الله تعالى في أن يعذّب ويُعاقب من يشاء، وأن يُكرم ويكافئ من يشاء، وفي هذا التفويض دليل على نبوّته، وأنه يتلقّى الوحي من الله تعالى، فالله تعالى لا يفوِّض أمر تعذيب الظالمين، أو مجازاة المحسنين بالحسنى إلى غير الأنبياء والرسل.

الدليل الثاني على نبوّة ذي القرنين

يقول الله تعالى:

{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} الجن/ 27-26

في الآية إشارة إلى أنّ الله تعالى لا يُظهر على غيبه أحدًا، إلا من ارتضى من رسول، وهذا يعني أنّه لا يعلم الغيب إلا رسولٌ قد خصَّه الله تعالى بهذا الغيب، وهو كالذي خصَّ الله تعالى به رسوله محمدًا عليه الصلاة والسلام بكثير من أنباء الغيب.

وعند الرجوع إلى سورة الكهف نقرأ قول الله تعالى على لسان ذي القرنين:

{قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} الكهف/ 98، وفيه إشارة إلى معرفة ذي القرنين لأمر غيبيّ، وهو أنّ السّدّ له وقتٌ معلوم، وأنه لن يظلَّ قائمًا، وأنّ الله تعالى سيجعله دكّاء، وهذا من عِلم الغيب بلا شك، ولو لم يكن ذو القَرنَين نبيًا أو رسولًا، لما علم بهذا الغيب.

ومن هذين الدليلين الواضحين يتبيّن لنا أنّ ذا القَرنَين نبيٌ من أنبياء الله الكرام، يُوحي الله تعالى إليه بما يشاء. ويُطلعه على ما يشاء من الغيب، وأنّه صاحب قدرة وقوة وتمكين من الله تعالى.

وهو يعذّب الظالمين كما يشاء بتفويض من الله تعالى، ويجازي المؤمنين كما يشاء بتفويض من الله تعالى.

د. نصر فحجان

عميد‏ ‏كلية دار الدعوة والعلوم الإنسانية‏.. ومحاضر دراسات إسلامية - غزة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى