د. وليد عبد الحي يكتب: الاتفاق الأمريكي اليمني.. ما بين السطور

قراءة الإعلان العماني والامريكي واليمني كل على حِدة بخصوص مواجهات البحر الأحمر العسكرية يكشف عن قدر من التوافق من ناحية، وقدر من التباين في بعض الجوانب من ناحية ثانية وقدر ثالث من الإيحاءات الملتبسة القابلة للتأويل كل على هواه.
فالتوافق واضح في الجانب الخاص بالتزام الطرفين الأمريكي واليمني-أنصار الله- بوقف إطلاق النار بينهما، فتلتزم اليمن بعدم مهاجمة اهداف أمريكية في البحر الأحمر وباب المندب، مقابل وقف هجمات القوات الامريكية على أية اهداف يمنية في اليمن.
أما التباين والإيحاء فيظهران في الآتي:
أ- هل وقف الهجمات اليمنية مقتصر على القطع «الحربية» الامريكية التي تساهم في العمليات العسكرية ضد مواقع أنصار الله أم يشمل السفن الامريكية التجارية الحاملة للسلع المختلفة والمتجهة باتجاه الموانئ الإسرائيلية؟
ب- إذا رفعت السفن الإسرائيلية التجارية أعلاما أمريكية، فهل يدخلها ذلك ضمن الأهداف الامريكية التي يشملها وقف إطلاق النار؟ ام أنها ستبقى ضمن دائرة الاستهداف بغض النظر عن الراية المرفوعة؟
ج- هل ضرب أنصار الله اية اهداف إسرائيلية في البحر او داخل فلسطين المحتلة لم يعد لأمريكا أي موقف منه؟ فهل استمرار فرض الحصار الجوي على الطيران المدني المتجه لإسرائيل يجعل الطائرات الامريكية المتجهة للمطارات الإسرائيلية خارج «هذا التعميم في الحصار»؟
د- هل الاتفاق تكتيك امريكي للتهدئة الى حين انتهاء رحلة ترامب الى المنطقة ثم تعود حليمة لعادتها القديمة؟
هـ- هل تم الاتفاق دون التشاور او التخطيط المشترك مع إسرائيل؟ وهل حقا أن إسرائيل ليست على اطلاع بمداولات التفاوض وما آل اليه الوضع؟
و- هل ثقل الضربات الامريكية والإسرائيلية –بخاصة الهجمات الأخيرة- دفعت أنصار الله نحو تكتيك التهدئة ولو الى حين؟
ز- لماذا يتم الترويج من الإدارة الامريكية (ترامب ووزارة الخارجية وبعض مبعوثيه) عن اعلان «كبير وفرصة كبيرة» للشرق الأوسط قريبا؟ فليس هناك فرصة تنطوي على معنى كبير إلا وقف القتال في قطاع غزة والبدء بإدخال المساعدات، أم ان الامر له صلة بما يروج عن لقاءات سورية إسرائيلية ستكون ضمن صفقات كبرى تكريسا لدبلوماسية ترامب؟ هل تحديد الاتحاد الأوروبي عام 2027 كعام التخلي التام عن الغاز الروسي يحيي مشروعات غازية كانت من ضمن العراك على سوريا؟
ح- ما الدافع لترويج أن ترامب لن يزور إسرائيل في رحلته؟ فهل هذا حقا ما سيحدث ام أنه سيلتقي مع نيتنياهو في احدى مضارب «حاتم الطائي»، سرا او علانية؟ ام انها محاولة لتشجيع العرب على تنازلات يظللها وهم الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول إدارة ملف غزة؟ ان الدراسة التي شارك فيها عشرات علماء النفس الأمريكيين تؤكد ان 76% من اقوال ترامب ثبت كذبها، فهل يستدعي ذلك الحذر من تفاؤل مصنوع؟ وإلا ما معنى إشارة ترامب لأنصار الله بـ«انهم استسلموا»، بينما تواترت التصريحات اليمنية عن أن هذا الاتفاق لن يمس سياسة “إسناد غزة”، وإعادة التأكيد على الحصار الجوي على إسرائيل؟
ط- هل من صلة بين المفاوضات الإيرانية الامريكية حول البرنامج النووي وبين اتفاق التهدئة في البحر الأحمر، فهل هي إشارة طمأنة لإيران بأن أمريكا ليست في وارد تصعيد الموقف في المنطقة؟
ي- هل الامر مرتبط بدبلوماسية ترامب القائمة على الصفقات التجارية والمنظور الميركانتيلي التام، وهي دبلوماسية تحتاج لبيئة إقليمية ودولية هادئة؟ هل سيحاول ترامب استرضاء العرب ببعض فتاته مقابل حشدهم خلفه لعرقلة المشروع الصيني في المنطقة بل وتقليص تجارتهم الكبيرة مع العرب؟ إن ترامب لا يفهم الأوطان الا كعقارات.
ان قيام أنصار الله بأطلاق صواريخهم مجددا على مطارات فلسطين المحتلة أو على سفن إسرائيلية او اية اهداف إسرائيلية غير متوقعة من فريق نيتنياهو هو الذي سيفسح المجال امام نوافذ نُطِل منها على المجهول.
أخيرا، ان الفعل اليمني المتواصل هو أداة تفاوضية لمن يُحسن استثمارها، لكن الضرورة تقتضي من قوى اليمن المجاهد «سوء النية» لكي لا تعبر الى جهنم على بساط حُسن النوايا ثم تنتظر فرسان «الإدانة بأشد العبارات»..
ربما.