الأمة الثقافية

«الصومعة».. شعر: عبد الله آمين

يُسائلني وقد ظهر المشيبْ 

أشيبٌ ذاك أم رأسٌ خضيبْ

تنهد كلُّ شيءٍ فيٌ حتى

هوى فكري وأطبقت الخطوب

وما كل البياضِ يكون شيبا

ولا كل السوادِ الفحم طيب

وما بالرأس من شيبٍ ولكن

للقيا الناس أنفاسي تشيب

كفى بكَ أن تنام على صفاءٍ

لتصحو حيث تسحلك القلوب

صدور الخلق موصدةٌ ولكن

وشَىَ بسوادها النظر المريب

وكنت أخا التصبّر والتآسي

ولي في الناس ودٌّ لا يخيب

أحل وثاقهم فيقيدوني

ولي صبرٌ على ذاكم عجيب

ألملمُ شعثهم فيبعثروني

 وأحتسبُ الثواب فلا أخيب 

 فلما أوغروا صدري ونفسي

وقالوا ما يشين وما يعيب

وثم تسوّروا محراب قلبي

وهدّوا الحد وانجلت النيوب

عمدت إلى جصاص أخي جريج

بصومعةٍ لها بابٌ وريب

وما لجدارها سبب تدلّى

ولا شُرف ولا بابٌ قريب

معي قلمي وقرطاسي وشِعري 

وأشجاني وألحاني الطروب

فوافتني السهام فلست أدري

أأترك نزفها أم أستجيب

وما دامت دماؤك في عروقٍ

ستثخنك الرماحُ إذا تصيب

وما للمرء بين الناسِ عيش

على مِقةٍ وألسنةٍ تذيب

فصبرا في سبيل الصمت حتى

توافيك المنيّةُ أو تغيب

صروف الدهر قد تبلى ولكن

صنوف الإنسِ ما منها هروب

 وكانت لي على اللأواء نفسٌ

إذا نزلت بها البلوى تطيب

فلما أشفت الخمسون مني

وهَنت كما وهَىَ الغصنُ الرطيب

فضقتُ بكل فجٍ فيه ناسٌ

وضاق على الورى صدري الرحيب

وساء بكل خلق الله ظني

وأعلم أنه داء مريب

ومثلي لا يسيء الظن لكن

 غوى الصدّيق وامتْدح الكذوب

وألهبت السياطُ السود ظهري

وخان الودّ خل أوقريب

تداعت للمخاوف ثم نفسي

وأسلمها إلى اليأس الهروب

خليلَيّ اصمتا فالصمتُ عزٌ

وأدعى إن تتابعت الكروب

ولوذا بالجبال ولا تخافا

فلا يُخشى بها سبعٌ وذيب

ولا ليث البطاح بجار سوءٍ

إذا ما ظله الوادي الخصيب

وما الغيلان إلا قوم سوءٍ

لهم في كل مطمعةٍ نصيب

تراهم في المغانم كل حينٍ

وإن حميَ الوطيسُ فلا مجيب

ولولا ثلة في الناس خيرٌ

لهم في كل نازلةٍ دبيب

لذاب القلب من هَمٍّ ولكن

مع الأشواك ريحان وطيب 

فعيشا في البوادي حيث تسخو

بوابل طهرها المزن الرءوب

ألا ولتنسيا زخم الليالي

ففي صخب الليالي ما يريب

وفي الوديان للملهوف غوثٌ

وفي الأغنام أنسٌ إذ تؤوب

أرى من حكمة المرء التنائي

ومن رجحانه الصمت المهيب

وفي الأكواخ سلم بعد سلمٍ

وفي ظل الأنام دمٌ وحُوبُ

وفي القصر المنيف هوى وكفرٌ

وفي الكهف المخيف سمَت قلوب

كفى بالله في الخلوات أُنسا

وحسبك أنه المولى الحبيب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى