مضر أبو الهيجاء يكتب: سؤال في الصميم
أيهما يتقدم على الآخر.. تحرير فلسطين أم مواجهة المشروع الصهيوني الجاثم على عموم المنطقة؟

قبل الجواب على السؤال، قد يتبادر للذهن تداخل بين الأمرين كبير، حيث إن تحرير فلسطين سينهي المشروع الصهيوني في المنطقة، كما أن مواجهة وتفكيك المشروع الصهيوني سيثمر بشكل تلقائي تحرير أرض فلسطين.
الجواب:
إن تفكيك المشروع الصهيوني يجب أن يكون المنطلق والأساس وليس العكس، لاسيما أن جوهر المشروع الصهيوني يستهدف الأمة ودينها وثقافتها وشعوب المنطقة ودولها ومواردها ومياهها وكل شيء فيها، وهو مشروع غربي بامتياز جاء يستهدف الأقاليم العربية والإسلامية بعد زوال الخلافة، واقتطع من أرض الشام فلسطين ليتخذ منها مقرا لأعماله العسكرية والسياسية التخريبية.
عقم التصور الحالي لتحرير فلسطين!
قصور فظيع أن تتصور إمكانية تحرير فلسطين قبل إضعاف وتفكيك المشروع الصهيوني في منطقتنا، وهو تصور عقيم أفضى لاستهلاك الرصيد الفلسطيني من دون إحراز النتائج المرجوة أو المكافئة للتضحيات!
إيقاع الجهاد المنضبط في فلسطين.
إن شكل ونوع ومستوى الجهاد في فلسطين يجب أن ينضبط بإيقاع منسجم مع تصور ومشروع وخطة على مستوى المنطقة العربية والتركية تستهدف تفكيك المشروع الصهيوني وهدمه.
المعادلة المقلوبة!
إن الإغراق في تصور تحرير فلسطين في بعدها القطري، على حساب أولوية التفكير والتدبير لتفكيك المشروع الصهيوني على المستوى العربي والإسلامي، قد أعفى الشعوب العربية والأنظمة من وجوب المواجهة مع إسرائيل باعتبارها ركيزة المشروع الصهيوني الذي يهددها في المنطقة، وبنفس الوقت فقد حمل الشعب الفلسطيني ما لا يطيقه منفردا، حيث توهم أن معركته الحقيقية والأولى هي تحرير الأرض الفلسطينية، وغفل عن حقيقة إسرائيل كركيزة في مشروع سياسي عسكري ثقافي اقتصادي كبير، هو المشروع الصهيوني الذي جمع بين اليهود المعتدين والأهداف الصليبية!
إن زكاوة الدماء الفلسطينية، ورصيد التضحيات الجليلة المتعاقبة لم تفض لتحرير شبر من أرض فلسطين، وذلك منذ قيام الكيان الإسرائيلي وحتى اليوم، ورغم كل ما شهدته إسرائيل من ضربات وضعف، إلا أنها بقيت الأكثر فاعلية وعلوا في المنطقة، وذلك بسبب قوامة وتماسك المشروع الصهيوني، لاسيما وقد أعفت الدول العربية الوظيفية نفسها من واجب مواجهته ومحاولة اضعافه وتفكيكه.
إشارات ودلالات معبرة
سأكتفي بالإشارة إلى ثلاثة معطيات للدلالة على أولوية مواجهة المشروع الصهيوني، وعلى قوامته وتماسكه باعتباره الراعي للكيان الإسرائيلي.
1/ بعد ما يقارب من عامين على معركة الطوفان تعتبر إسرائيل اليوم أن أكبر إشكالية في التفاوض مع حماس حول جنودها الأسرى، هو إصرار قيادة حركة حماس على شرط إيقاف المعركة!
فكيف نعي مطلب حماس الأول بإيقاف المعركة التي أطلقتها قيادتها وروج لها العلماء، واعتبرها الكثيرون بداية منعرج نحو الفتح الكبير! فيما تصر إسرائيل المتضررة من أسر جنودها -على المستوى الداخلي والخارجي- على رفض إيقاف المعركة رغم خسائرها الميدانية، ورغم ضجر ومعارضة قيادات إسرائيل السياسية الحزبية!
2/ ضرب إسرائيل لكل السلاح السوري الثقيل وحرق مخازن الصواريخ، واحتلالها لأراض سورية وذلك بعد سقوط حارسها الأسد، في ظل عجز الحالة الثورية التي وصلت إلى الحكم عن ردعها، وذلك رغم وجود اتفاقية وقف إطلاق النار بين سورية وإسرائيل منذ نصف قرن، في ظل اندفاع إسرائيلي عسكري يستهدف حرق غزة، واجتياح مدن الضفة وتدمير مخيماتها، وتفكيك وإضعاف وتمزيق لبنان!
فما الذي يدفع إسرائيل الصغيرة -بعد أن غرقت في غزة- أن تضرب سورية الجديدة والضعيفة -وذلك لأنها مكبلة بالحصار ولا تستطيع أخذ أنفاسها دون توافقات دولية وإقليمية-؟
3/ رفض إسرائيل لأي توسع تركي على أراضي سورية التي تعتبر امتدادا طبيعيا يصل بين إقليم الشام والأناضول، ثم قبولها بتوسع جزئي مدروس ومراقب بحذر وعناية!
فمن الذي طلب من إسرائيل السماح لتركيا بالتموضع المدروس في سورية، وما الذي يمنع تركيا القوية الصاعدة من التفاعل الطبيعي مع السوريين انطلاقا من الوحدة الثقافية والمصير السياسي المشترك بينهما؟
إن الجواب على كل تلك الأسئلة والاستفهامات يكمن في المشروع الصهيوني، الأمر الذي يتجاوز إسرائيل المنفذة الصغيرة والحقيرة.
وإذا كانت إسرائيل مجرد منفذ وذراع للصهيونية، فكيف نتجاوز تلك الحقيقة ونعطي الأولوية لتحرير أرض فلسطين، دون إعداد منسجم وخاضع لتصور ناضج مسؤول وكبير، يعي ماهية المشروع الصهيوني وأطرافه الفاعلة المقررة والمؤسسة، فيسعى لإضعافه وتفكيكه في مناحي عديدة، واعيا لأهمية العمل الجماعي على مستوى شعوب ودول وحركات المنطقة، دون أن يغرق بحروب وصراعات جزئية ستفضي لا محالة لاهراق الرصيد دون تحقيق نتائج مثمرة!
الخلاصة:
إن انضاج التصور العربي الشعبي والرسمي المستهدف لإضعاف وتفكيك المشروع الصهيوني مسؤول أصالة عن صياغة مشروع تحرير فلسطين وليس العكس.
مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 22/5/2025