رحيل فضيلة الشيخ القارئ سيد سعيد آخر جيل العظماء من القراء، وهو رجل ارتبط اسمه في وجدان أكثر المصريين بسورة يوسف عليه السلام، رغم جولاته الرائعة المتنوعة في كتاب الله، ويكأنه نحلة تقطف رحيق الإيمان منه، وترتشف عذب كلمات الله فيه، لكنه القرآن يسم أهله بأوسمة الشرف؛ كلٌ بحسب رتبته ومنزلته، فكأنما كانت “يوسف” أحسن القصص التي رتلها “سعيد” من كلام ربه ﷻ.
تراهم أطول الناس أعماراً إلا قليل منهم؛ كما تراهم أنضر الناس وجوهاً وكأنك تعرف في وجوههم نضرة النعيم، وتراهم أصح الناس أبداناً، وأوقدهم أذهاناً، وأعذبهم مناطقاً.
هي خصيصة وموهبة امتن الله تعالى بها على أهل مصر، أن جعل فيهم القراء التقية والأصوات النقية، يجتمع أهلها مذ عرفوا القرآن في محافل يحتفلون به فيها، فيخرج من أفواه قرائهم عذباً وسلسلاً، فتطرب له آذان “السميعة” منهم بخير ما طربت به أذن.
وفيهم صيارفة يزنون القراء بميزان كميزان الذهب والفضة، ويجعلون لكل منهم وسماً يَسِمُونَه به، فهذا القيثارة، وذاك أستاذ الوقف والابتداء، وهذا صوت السماء، وهاهو سلطان القراء سيد سعيد يرحل كالراحلين، رحمه الله تعالى ورفع درجته في الجنة.
فيا هل ترى أوقد يجود بمثلهم زمن كالذي عاشوا فيه، وهل يرجع الزمان إذا مضى فيعيد مدرسة التلاوة إلى سابق عهدها!