تربعت الصناعة الإبداعية الإماراتية ومحورها الكاتب على رأس أولويات معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025، الذي نظمه مركز أبوظبي للغة العربية، من 26 أبريل إلى 5 مايو 2025، تحت شعار “مجتمع المعرفة… معرفة المجتمع”، بعد أن نجح في استقطاب مشاركة واسعة من المعنيين بالمشهد الثقافي في الدولة، من دور نشر، وكتّاب، وأدباء، ومفكرين، وباحثين، ومثقفين، شكّل حضورهم عصب البرامج المتنوعة التي طرحها المعرض، واستهدفت مختلف شرائح المجتمع وفئاته العمرية، انسجاماً مع إعلان دولة الإمارات العام 2025 عاماً للمجتمع.
وحرص المعرض على تعزيز نمو صناعة الأدب المحلي وتعزيز الهوية الثقافية، فاحتفى بنخبة من المبدعين الإماراتيين، ممن أسهموا في ازدهار القطاع على مدار عقود، ودعم المواهب الإماراتية الواعدة في مختلف المجالات الثقافية، لاستكمال مسيرة استدامة التنمية الثقافية، وصناعة النشر.
وشهدت الدورة الـ34 للمعرض مشاركة محلية كبيرة، إذ أثرى أكثر من 170 مفكراً وأديباً إماراتياً جلسات المعرض وورش عمله، وبلغ عدد العارضين الإماراتيين المشاركين 275 عارضاً، إلى جانب 70 مؤسسة حكومية، قدمت كل منها سلسلة من الفعاليات، فيما استضاف ركن الفنون 28 فناناً من بينهم 22 موهبة إماراتية، وقدم برنامج “أطباق وثقافات” 48 جلسة، شارك فيها 24 طاه من مشاهير العالم في هذا المجال، من بينهم 12 إماراتياً، فضلاً عن مجموعة من المبادرات الموجهة خصيصاً للمواهب الإماراتية، أبرزها مبادرة “المؤلف الناشر”، التي شارك فيها 20 كاتباً، وهدفت إلى دعم الكتّاب الإماراتيين من خلال تسليط الضوء على مؤلفاتهم، ومنحهم فرصة التواصل المباشر من جمهورهم، وتعزيز وجودهم في مجتمع النشر، لتحقيق شراكات مستدامة مع الناشرين، وتوفير فرص تسويقية أوسع.
إلى ذلك، قال سعادة سعيد حمدان الطنيجي، المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية، مدير معرض أبوظبي الدولي للكتاب: “شهد المعرض مشاركة محلية واسعة من جميع القطاعات في الدولة، كان لها الأثر الكبير في ترسيخ مكانة معرض أبوظبي الدولي للكتاب، منصة معرفية ثقافية عالمية، وقدم مركز أبوظبي للغة العربية من خلالها رؤية جديدة للمعرفة والوصول إلى جميع شرائح المجتمع وفئاتهم العمرية، عبر منظومة متكاملة من البرامج والمبادرات، التي حرصت على دعم صناعة النشر، ورفد واقع النشر الإماراتي بكل ما يعزز الارتقاء والنهوض بهذه الصناعة”.
وأضاف سعادته: “المعرض أتاح الفرصة كذلك لالتقاء الناشرين الإماراتيين مع نظرائهم من مختلف أنحاء العالم، لتبادل الخبرات والتحاور حول أبرز القضايا والمستجدات الخاصة بالقطاع، واكتساب المعرفة اللازمة من خلال برامجه الغنية بجلسات حوارية، وورش متخصصة، ومضامين نوعية تخدم واقع صناعة النشر والعاملين فيها، وقدم لهم تسهيلات تمكنهم من تطوير قدراتهم وأدواتهم بما يسهم في النهوض بصناعة النشر”.
وتابع سعادته: “كما حققت مشاركة المبدع الإماراتي في شتى المجالات الثقافية والمعرفية حضوراً بارزاً، كناشر وكاتب وشاعر وباحث ومحاور ومدرّب ومؤثر، وحرصت برامج المعرض على تمكين المواهب الإبداعية الواعدة في شتى مجالات الثقافة والفنون، وتخصيص مجموعة من البرامج التدريبية وورش العمل التي تسهم في صقل مواهبهم ودعم قدراتهم، وخصت الناشئة بباقة فعاليات تستكشف هواياتهم لتنميتها وإعدادهم لدخول عالم الثقافة والإبداع، وتهيئتهم للقيام بدورهم تجاه مجتمعهم، بما يعزز رسالة المعرض في خلق جيل مثقف مبدع، ويحقق إستراتيجية دولة الإمارات في تحقيق التنمية المستدامة”.
واستضافت فعاليات المعرض أسماء إماراتية لامعة في شتى المجالات منها معالي محمد المر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد، ومعالي عبدالله بلحيف النعيمي، رئيس المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة، والدكتور سلطان العميمي، مدير أكاديمية الشعر، والدكتور عبدالعزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث.
وشهد معرض أبوظبي الدولي للكتاب مشاركات مميزة للعديد من المؤسسات والجهات المحلية، من ضمنها مشاركة “مركز الإمارات للدراسات والبحوث” عبر سلسلة جلسات تهدف إلى دعم المفكرين والباحثين الإماراتيين، والتي استضافت نخبة منهم وناقشت موضوعات حيوية تهم المجتمع الإماراتي. كما أغنت المشاركة الفعالة لمركز “تريندز للبحوث والاستشارات”، ومجلس حكماء المسلمين، والأرشيف والمكتبة الوطنية، وشبكة أبوظبي للإعلام، وعدد كبير من الوزارات والهيئات الحكومية أجندة المعرض بندوات ومحاضرات وجلسات نقاشية، إلى جانب تدشين إصدارات جديدة وتوقيع اتفاقيات تعاون.
وفتح المعرض باب المشاركة لمبادرات مجتمعية رائدة تقودها مثقفات إماراتيات مثل مؤسسة “بحر الثقافة”، التي قدمت 40 جلسة ثقافية شارك فيها نحو 100متحدث إماراتي ناقشوا قضايا ثقافية ومعرفية ملحة.
واستضاف “مجلس ليالي الشعر” 60 شاعراً ومحاوراً وباحثاً إماراتياً، من بينهم شعراء شاركوا في مسابقتي “شاعر المليون” و”أمير الشعراء”. واهتم البرنامج برعاية الشعراء الشباب وتشجيع المواهب الواعدة والإضاءة على إبداعاتهم؛ فخصص أمسيات شعرية لخريجي أكاديمية الشعر في أبوظبي، حظيت بإقبال كبير من عشاق الشعر، نظراً لارتباط الشعر بالهوية الثقافية الإماراتية.
واستهدفت البرامج التعليمية للمعرض فئة الأطفال والناشئة، وقدمت لهم جلسات وورشاً تعليمية، أتاحت لهم المشاركة في أنشطة وتجارب جديدة تتناغم مع هواياتهم، وجلسات قراءة مع كتّاب مبدعين، كما وفّر المعرض في البرنامج المهني؛ الذي حظي بمشاركة محلية واسعة، مجموعة من الجلسات المتخصصة، والورش التدريبية، التي قدمها اختصاصيون متميزون في صناعة النشر، شكلت للناشرين والكتّاب الإماراتيين فرصة مثالية، لتحسين مهاراتهم ورفد معلوماتهم بجديد تقنيات العصر الرقمي.
وقدمت مبادرة “على درب العلم” إضافة نوعية للمحتوى الأكاديمي، إذ أخذت ضيوف المعرض من المتحدثين البارزين في جولة معرفية إلى 7 جامعات محلية، شاركوا خلالها في محاضرات تفاعلية غطت الأدب والثقافة والابتكار والنشر، ما أتاح للطلبة لقاء مباشراً مع رموز الفكر، وعزز ربط الأوساط الأكاديمية بالمشهد الثقافي.
وشهد المعرض توقيع مجموعة كتب لمؤلفين إماراتيين في مجالات الرواية والقصة والشعر، فيما كرّمت مبادرة “روّاد بيننا” الفنان الإماراتي جاسم ربيع العوضي، بنشر كتابه “بين الظل والنور”، فيما كرمت مبادرة تكريم رواد صناعة النشر العربي مكتبة دبي للتوزيع، لجهودها التنويرية على مدار 56 عاماً.
ووجد زوّار المعرض أنفسهم أمام مشهد يستحضر عراقة الماضي، جسّده ركن “ظلال الغاف” الذي يذكّر بجلسات الآباء والأجداد تحت أشجار الغاف، الشجرة الوطنية للدولة، والتي يعود تاريخها إلى أكثر من 120 عاماً. واستعاد الزوّار من خلال الركن طقساً تقليدياً، يجد ارتباطهم بموروثهم العريق، ويرسخ في الأجيال الجديدة قيمة شجرة الغاف من جهة وأهمية الأدباء في المجتمع من جهة أخرى، وقد استُوحي تصميم الركن من عناصر الحكايات الخيالية لتتجسد بواقع يحمل استثنائية واضحة؛ فالركن يمتاز بتصميمه الممزوج باللون البنفسجي، والأشكال المستلهمة من الطبيعة المحلية، متوجة بشجرة الغاف مع كل ما تمثله من عنفوان وأصالة.
واستثمر المعرض الحضور الجماهيري الكبير لإطلاق مبادرة “100 قصة من مجتمعنا”، في إطار الحملة المجتمعية لدعم القراءة المستدامة التي دشنها مركز أبوظبي للغة العربية، الجهة المنظمة للمعرض، بهدف إنجاز قصص ملهمة من وحي المجتمع، لنشرها في كتاب يعكس التسامح والتنوع الثقافي الذي تتميز به دولة الإمارات، ويبرز مكانة التلاحم المجتمعي، علماً بأن باب المشاركة في المبادرة مفتوح للموهوبين في الدولة من عمر 18 عاماً فما فوق.
وجسدت هذه الأركان والمبادرات مجتمعة مكانة معرض أبوظبي الدولي للكتاب على خريطة الفعاليات الثقافية الكبرى، ودوره في تعزيز صناعة النشر في العالم، كما أكدت التزام مركز أبوظبي للغة العربية بدعم استدامة المشهد الثقافي المحلي، وخلق بيئة حاضنة للإبداع الإماراتي، بما ينسجم مع “عام المجتمع” ويعكس أولويات رؤية دولة الإمارات في تمكين رأس المال البشري، وتعزيز الإنتاج المعرفي.
وشكّل المعرض، فرصة مهمة لاكتشاف التوجهات الجديدة في صناعة النشر، بما يعزز مكانة الناشر الإماراتي في السوقين الإقليمية والدولية، مع فسح المجال أمام المواهب الواعدة لعرض إبداعاتهم، والتواصل مع أدباء وكتّاب وناشرين من مختلف دول العالم، وصولاً إلى دعم الحضور الثقافي لدولة الإمارات، وترسيخ مكانتها حاضنة للإبداع والمبدعين، وتكريس عاصمتها أبوظبي مركزاً حضارياً ومعرفياً عالمياً