قدّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه كـ”رجل الصفقات” القادر على كسب ودّ الخصوم وإبرام الاتفاقيات مع أبرز الزعماء حول العالم، لكن مع عودته إلى البيت الأبيض، يبدو أن سحر شخصيته لم يعد كافياً لاختراق جدران العواصم الصلبة: موسكو وبكين وطهران، التي وعد خلال حملته الانتخابية بتحقيق اختراقات سريعة معها.
ففي غضون 48 ساعة فقط، واجه ترامب رفضاً صريحاً من قادة هذه الدول، فيما بدت وعوده السابقة بإنهاء الحرب في أوكرانيا، أو تحقيق اتفاق تجاري مع الصين، أو إبرام صفقة نووية “أفضل” مع إيران، مجرد تصريحات يصعب ترجمتها على أرض الواقع.
تراجع أمام الخصوم.. واعتراف غير مسبوق
في منشور له على منصات التواصل الاجتماعي، اعترف ترامب صباح الأربعاء بصعوبة التعامل مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، قائلاً: *”أحب الرئيس شي، وسأظل أحبه.. لكنه صعب جداً، والتفاوض معه أصعب!”*. وبعد ساعات، أجرى اتصالاً هاتفياً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ليُقرّ لاحقاً بأن المحادثة *”لن تؤدي إلى سلام فوري”*.
هذه التصريحات تمثل تراجعاً واضحاً عن الخطاب السابق لترامب وفريقه، الذي كان يروج لفكرة أن تدخله الشخصي كفيل بحل الأزمات الدولية. لكن الواقع كشف أن قادة مثل بوتين وشي ليسوا مستعدين لتقديم تنازلات كما توقع، بل يدفعونه إلى مواجهة حدود “فن الصفقات” في السياسة الدولية.
إيران والصين.. اختبار للاستراتيجية
في الملف النووي الإيراني، وصف المرشد الأعلى علي خامنئي المسؤولين الأمريكيين بـ”المتعجرفين”، رافضاً شروط واشنطن لوقف تخصيب اليورانيوم. وفي الصين، فقد ترامب جزءاً من نفوذه بعد أن فرضت بكين قيوداً على تصدير المعادن النادرة، مستغلة ذلك للضغط على الصناعات الأمريكية، في حين تعزز تحالفاتها التجارية مع أوروبا.
ووفقاً لـ” جيريمي شابيرو” من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإن ترامب *”لا يفضل الزعماء السلطويين، لكنه يتعامل معهم بحذر أكبر، ما يحدّ من قدرته على فرض شروط غير متوازنة”*.
روسيا.. بين العقوبات والتفاوض
فيما يتعلق بملف أوكرانيا، يبدو أن إدارة ترامب تبتعد عن سياسة العقوبات التي اتبعها سلفه جو بايدن، لتحاول نهجاً جديداً يراهن على الحوار. لكن مخاوفاً تثار من أن يكون هذا التحول مقدمة لتخلي واشنطن عن دعم كييف، خاصة بعد تصريحات الرئيس الأوكراني **فولوديمير زيلينسكي** الذي حذّر من أن *”ضعف العالم أمام بوتين يدفعه إلى تصعيد جرائمه”*.
رغم ذلك، يرفض ترامب اتهامات بالتراجع، مؤكداً أن ما يحدث هو *”تفاوض استراتيجي”*. لكن السؤال يبقى: هل تكفي مهارات “رجل الصفقات” لكسر الجمود مع خصوم يعرفون جيداً كيف يلعبون لعبة الصبر؟