في زحمة الحياة وتقلباتها، يبقى للكتاب مقام لا يزاحمه فيه أحد. في لحظات التأمل، حين يضيق الأفق، أجد في الكتاب نافذة للاتساع، وفي كلماته سكينة، وفي معانيه اتزانًا.
ليس مجرد صفحات تُقلّب، بل هو رفيق رحلة، يسير معي في الدروب، يضيء لي العتمات، ويعيد ترتيب ما تبعثر من أفكاري.
كلما رأيتُ مبادرات تشجع على المطالعة، شعرت بأن الحياة ما زالت بخير. ذلك أن غرس المعرفة في العقول، هو الغرس الذي لا يذبل، وإن تأخر ثمره، فإنه يأتي ناضجًا، طيبًا، يحمل في طياته ما يُبقي المجتمعات حيّة تقرأ، تفكر، وتنهض.
في كل مشروع ثقافي يدعم القراءة، أرى خطوة نحو بناء جيلٍ يتسلّح بالوعي، ويمضي بثقة في دروب الحياة. فالمعارف ليست ترفًا، بل ضرورة، والكتاب ليس مجرد أداة، بل هو أحد أنبل وسائل التغيير الهادئ والعميق.
كنت ولا أزال أؤمن أن من يبني فكرًا، يغرس أملًا، ومن يزرع قيمة في قلب ناشئ، يسهم في بناء وطن لا تزعزعه العواصف.
الثقافة ليست رفاهية؛ إنها جذر من جذور التنمية الحقيقية، وأساس من أسس النهضة.
في كل مكتبة تُفتح، في كل ركن مطالعة يُجهز، في كل كتاب يُهدى، يُولد احتمال جديد للمعرفة، وتُضاء شمعة في درب أحدهم.
هذا ما يجعلني أردد دائمًا بثقة: إن الاستثمار في العقول، أعظم من أي بناء، وإن رفد النفوس بالكتب، أعظم من أي مدّ مادي.
في اليوم الوطني للكتاب، أقف مع ذاتي قليلًا، وأتأمل أثر الكتاب في حياتي. لقد كان خير رفيق، وأصدق معين. ومع كل صفحة أقرؤها، أكتشف كم أن العالم أوسع، وكم أن الإنسان أعمق مما يبدو.
فلنمنح أنفسنا فرصة للقراءة… فرصة لننمو بصمت، ونتغير بسلام، ونرتقي دون ضجيج.