في ظل السباق العالمي نحو التحول الأخضر والاعتماد على المركبات الكهربائية، دخلت العلاقات التجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي مرحلة حساسة عنوانها: “المعادن مقابل السيارات”.
الصين، التي تهيمن على ما يقارب 90% من عمليات معالجة المعادن الأرضية النادرة، بدأت مؤخرًا باستخدام هذه الورقة الاستراتيجية للضغط على أوروبا، في سياق تصاعد التوترات التجارية حول السيارات الكهربائية.
في أبريل 2025، فرضت بكين قيودًا على صادرات المعادن النادرة مثل النيوديميوم والديسبروسيوم، التي تُعد أساسية في صناعة المحركات الكهربائية والمغناطيسات المستخدمة في السيارات الكهربائية والتوربينات الهوائية ، بحسب فيننشال تايمز.
وقد أدى ذلك إلى اضطرابات فورية في سلاسل التوريد، أجبرت شركات كبرى مثل BMW ومرسيدس على تقليص الإنتاج، وسط تحذيرات من اتحاد صناعة السيارات الألماني (VDA) من “احتمالية توقف الإنتاج بالكامل”.
الصين لم تُخف نواياها. في تصريحات رسمية، أكدت وزارة التجارة أنها “تراجع تراخيص تصدير المعادن النادرة وفقًا للاعتبارات الأمنية والاقتصادية”، في إشارة غير مباشرة إلى الرسوم الجمركية الأوروبية على السيارات الكهربائية الصينية، والتي تعتبرها بكين إجراءات حمائية.
ومع تصاعد الضغط الصناعي، اضطرت بروكسل إلى الجلوس على طاولة المفاوضات. ففي مايو 2025، التقى مفوض التجارة الأوروبي مروان شيفتشوفيتش نظيره الصيني في باريس، في محاولة لتهدئة التصعيد.
نتج عن ذلك إطلاق “القناة الخضراء”، وهي آلية صينية لتسريع تراخيص التصدير لشركات أوروبية محددة، إلا أن معظم التراخيص ما زالت تُمنح ببطء وتخضع لمراجعة أمنية مشددة FT، 2025.
في المقابل، لمحت أوروبا إلى إمكانية تخفيف الرسوم الجمركية على السيارات الصينية إذا تم استئناف تدفق المعادن الحيوية، مما يدل على تحول في الموازين التفاوضية.
لكن الاعتماد الأوروبي على الصين ليس قدَرًا محتوماً. فقد بدأت جهود فعلية لتقليل الاعتماد، منها:
مشروع توسيع مصنع معالجة المعادن في La Rochelle بفرنسا.
عقد طويل الأمد بين شركة Schaeffler الألمانية وشركة REEtec النرويجية لتوريد النيوديميوم الأوروبي ، بحسب رويترز
تمرير قانون “CRMA” الأوروبي، الذي يفرض أن يتم استخراج أو معالجة 40% من المعادن الحيوية داخل أوروبا بحلول 2030.
مع ذلك، تواجه هذه الجهود تحديات كبيرة، خصوصًا من حيث التكاليف، والبنية التحتية، والإطار الزمني.
وفي الختام تستخدم الصين المعادن النادرة كأداة ضغط جيو-اقتصادية في مواجهة القيود الأوروبية على السيارات الكهربائية، لتتحول سلاسل التوريد إلى أدوات دبلوماسية. في المقابل، تسعى أوروبا إلى تقليص الاعتماد دون تعطيل مسار التحول الأخضر.
وفي هذه المعادلة المعقدة، تظل المعادن النادرة “النفط الجديد” في معركة الجغرافيا الاقتصادية.