تحدثنا سورة «تبارك» عن خماسية من المعاني تنساب بها الآيات انسيابا
فتبدأ السورة بحصر مفهوم الملك في يد الله تعالى ملك كل شيء في عالم الغيب وفي عالم الشهادة من الأزل إلى الأبد
وهذا الملك فرع منطقي عن الخلق لذلك انتقلت بنا السورة من ملك الله لكل شيء إلى خلق الله لكل شيء فهو خالق الموت والحياة وخالق السماوات والأرض وخلقه جميعا شاهد بقدرته وعلمه وإحكامه
ومن ثم نقلتنا السورة للحديث عن علمه المحيط بخلقه فبحكم كونه الخالق المالك فهو كذلك العليم بطبيعة خلقه وهو أعلم بهم من أنفسهم وأعلم بما يصلحهم وما يفسدهم وأعلم بأعمالهم ما ظهر منها وما بطن علما يحيط بدقائق الأمور وخفايا الصدور
ومن العلم إلى الرزق حيث تكفل الخالق المليك بأقوات خلقه فذلل لهم الأرض وضمّنها كل ما تحتاج إليه حياتهم وأنزل الماء من السماء فأحيا به الأرض ولو أمسك الماء عن العباد أو خسف الأرض بالخلق ما كان لهم من مجير سواه وما كان لهم نوع حياة
وترسخ السورة للعبد المؤمن المتضلع بهذه المعاني الأربعة تعلقا خامسا باسم الله الرحمن فهو رحمن في خلقه «مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ» ورحمان في رعايته لخلقه وتدبيره لشؤونهم «أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَٰنِ ۚ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ» والنصر هنا دفع كل مكروه يخافه العباد
وهو الرحمن في مناجاته «قُلْ هُوَ الرَّحْمَٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ۖ» فكان هذا الاعتصام برحمانيته هو المقصود الأكبر والسبيل الأرشد والعروة الوثقى والغاية الكبرى لكل مؤمن في هذه الحياة وفي كل مراحل الوجود.
وإذا رددنا آخر آيات السورة على أول آياته سنجد أن ملكه بركة ورحمة فلو وكلهم إلى أنفسهم أو رفع رحمته عن عباده -وهو غير رافعها- لما وجد الأراذل الجاحدون من يأتيهم بشربة ماء معين!