إنّ وجود المساجد في جميع المناطق نعمةٌ نُغبَط عليها، فما وُجد مسجدٌ في منطقة إلا وكان له أثرٌ طيّبٌ على أهلها، فالرجال تزيد مواظبتهم على الصلاة في جماعة، والنساء يحضُرن الدروس ويصلّين الجماعات، والأطفال يُصلّون ويحفظون القرآن، فالمسجد يشع بنوره فيستفيد منه كل مَن حوله.
والأطفال اليوم هم قادة الغد ورجال المستقبل، لذا لابد من الاهتمام بهم اهتماماً خاصًا، وأنْ يكون لهم في المساجد نصيب كبير، فيتربَون فيها وينهلون من خيرها وعلمها.
لكننا نلاحظ في بعض المساجد أنّ بعض المصلين والأئمة يقومون بزجر الأطفال، بل وطردهم من المساجد مما يكون له عظيم الأثر في تنفير هؤلاء الأطفال من الصلاة في المساجد وتنفيرهم من الإسلام.
وقد يحتج البعض بأنّ الأطفال يقومون بالتشويش ورفع الصوت ولذا يقومون بإبعادهم وطردهم من المساجد.
ونقول:
إنّ من طبيعة الطفل أنه يحصل منه بعض التشويش والحركة الزائدة، وإنّ مجرد حصول صوت أو حركة من الأطفال في المسجد ليس بمُسوّغ لمنعهم من البقاء في المسجد، ولقد كان النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه سادة الخاشعين والمعظمين لمساجد الله، ومع هذا لم يرد عن النبي صلي الله عليه وسلم تعنيفه للأطفال أو طردهم من المسجد، بل أقرّ عليه السلام وجودهم في المسجد مع آبائهم وأمهاتهم.
وقد ثبت عنه عليه السلام ما يدل على أنه كان يسمع ذلك منهم ولم يمنع، بل صح عنه أنه كان يقوم في الصلاة وهو ينوي تطويلها فيسمع بكاء الصبي فيخفف لئلا تفتتن أمه، وهذا يدل على أنه أقرّهن على ذلك، لأنّ منع الأطفال وسيلة إلي منع الأمهات من حضور الجماعات والاستفادة من الدروس.
وعن عبد الله بن شداد عن أبيه قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسناً أو حسيناً فتقدم فوضعه ثم كبر للصلاة، فصلى فسجد، وأطال السجود، وعندما انتهي من صلاته سأله الصحابة عن سبب تطويله في السجود وتأخره في الرفع منه، فقال عليه الصلاة والسلام: إنّ الحسن كان يعتلي ظهره ويلعب فكره عليه السلام أن يقطع عليه لعبه.
وصحّ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نزل عن المنبر وهو يخطب الجمعة ليحمل الحسن والحسين ويضعهما بجواره على المنبر ويكمل خطبته، ولم يطردهما، ولم يعنّف عليًا أو فاطمة لأن ابنيهما يحضران للمسجد.
ولم يصح حديث في منع الأطفال من القدوم إلى المساجد والصلاة فيها، سواء كانوا مع آبائهم أو أمهاتهم أو لوحدهم.
وهنا أوجّه نصيحة لإدارات المساجد ولجانها وأئمتها أنْ تتسع صدورهم للأطفال الذين يُشرع مجيئُهم إلى المسجد أصلًا، وأنْ لا يشقوا عليهم.
والله أعلى وأعلم
د. نصر فحجان – غزة