الإمام الليث بن سعد هو شيخ الإسلام، وإمام أهل مصر، وأحد أعظم أئمة الفقه على مر التاريخ. فاق في علمه وفقهه، إمام المدينة المنورة مالك بن أنس، بشهادة الإمام الشافعي وغيره من علماء وفقهاء زمانه، غير أن تلامذة «الليث» لم يقوموا بتدوين تراثه ونشره في الآفاق، مثلما فعل تلامذة الإمام مالك، فصار معروفًا بـ«الإمام المنسي».
الإمام الشافعي -الذي حاول أن يجمع من تراثه وآثاره قدر ما يستطيع- عانى كثيرًا في سبيل هذا الغرض، كما عانى الأديب الكبير عبد الرحمن الشرقاوي المعاناة ذاتها وهو يجمع ما ورد عنه ليضمنه في كتابه «الأئمة التسعة».
شهد الكثير من كبار العلماء والفقهاء للإمام الليث بن سعد -الذي عاش بين عامي 713م و791م؛ فقال عنه الشافعي كما تقدم: «الليث بن سعد أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا بتسجيل تراثه وعلمه».
وقال الفضل بن زياد: «الليث كثير العلم، صحيح الحديث».
فيما قال الحافظ أبو نعيم: «كان الليث فقيه مصر ومُحدثها».
وقال ابن سعد: «كان الليث قد استقل بالفتوى في زمانه».
وقال ابن وهب: «لولا مالك والليث لضلَّ الناس».
فيما وصفه ابن بكير: «كان الليث فقيه البدن، عربي اللسان، يُحسن القرآن والنحو ويحفظ الحديث والشعر، حسن المذاكرة».
كما قال العسقلاني: «إن علم التابعين في مصر تناهى إلى الليث بن سعد».
فضلا عن علمه الغزيز وفقهه الراسخ، لم يكن أحدٌ أكرمَ ولا أجودَ من الليث بن سعد في زمانه؛ فقد كان ذا ثروة كبيرة، لم يبخل بها يومًا على فقير، ولم يرد سائلاً، كان يُطعمُ النَّاس في الشتاء «الهرائس بعسل النَّحل وسمن البقر»، وفي الصيف يدعوهم إلى «سويق اللوز في السُكَّر».
أمَّا هو فكان يأكل الخبز والزيت، وقيل في سيرته: «إنه لم تجب عليه زكاة قط؛ لأنه كان جوادًا سخيًا كريمًا يُعطي الفقراء في أيام السنة، فلا ينقضي العام عنه حتى ينفقها ويتصدق بها».
تجسَّد الليث بن سعد الإسلام خلقًا وعملًا. كان منهجه وسطيًّا. وكان إسلامُه إسلامَ عز وكرامة ومروءة ونخوة؛ لذا ظلت سيرته لامعة وسمعته طيبة رغم رحيله منذ عشرات القرون.
إذا كان تلامذة الليث بن سعد تسببوا في إهدار تراثه ولم يُدونوه، فهل حان الوقت لأن نرد للرجل بعضًا مما يستحق، وعدم الاكتفاء بالمتاجرة باسمه والتمسح فيه دون مردود إيجابي يرد له بعضًا من اعتباره المفقود؟