أعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، أن حملته الجوية المتواصلة سمحت له بتحقيق “حرية الحركة في الأجواء” من غرب إيران وصولا إلى طهران، حيث شنّت 70 طائرة حربية ضربات خلال الليل، مؤكداً أن “طهران لم تعد محصنة”.
وقال الناطق باسم الجيش، إيفي ديفرين: “أقمنا منطقة نحظى بها بحرية الحركة في الأجواء من غرب إيران، وصولا إلى طهران.. لم تعد طهران بمأمن”، مضيفا أن سلاح الجو “شن ضربات واسعة شاركت فيها أكثر من 70 طائرة مقاتلة على أهداف في طهران”.
وفيما حذرت إسرائيل من أنّ “طهران ستحترق” إذا أطلقت صواريخ جديدة على أراضيها، أعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، أنه يشنّ “راهنا” هجمات على مواقع عدة في إيران، مواصلا حملته التي تستهدف منشآت عسكرية ونووية في هذا البلد.
وقال ديفرين في مؤتمر صحافي متلفز، بعدما ردت إيران على ضربات إسرائيلية بمسيّرات وصواريخ: “نشنّ راهنا هجمات على مواقع عدة في إيران”.
وحذّر وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في وقت سابق من اليوم، من أن “طهران ستحترق” فيما استهدفت تل أبيب منظومات دفاع جوي وقاذفات صواريخ إيرانية، في تصعيد للعمليات الهادفة إلى تفكيك القدرات العسكرية لإيران بعد قصف متبادل ليلا.
وأطلقت إسرائيل فجر الجمعة هجوما واسع النطاق على إيران استهدف أكثر من 200 موقع عسكري ونووي، وأسفر عن مقتل قادة عسكريين وعلماء نوويين إيرانيين، مؤكدة امتلاك معلومات استخباراتية تفيد بأن البرنامج النووي الإيراني شارف على “نقطة اللاعودة”.
وردا على ذلك، أطلقت إيران التي تنفي تطوير أسلحة نووية، عشرات الصواريخ على إسرائيل قائلة إنها استهدفت منشآت عسكرية. وأعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض معظمها، لكن تم تسجيل أضرار كبيرة في منطقة تل أبيب.
والسبت، حذر كاتس من أنه إذا واصل المرشد الإيراني، علي خامنئي، إطلاق صواريخ على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، “فإن طهران ستحترق”.
من جانبه، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض معظم الصواريخ الإيرانية التي أُطلقت الجمعة والسبت على إسرائيل، فيما أفاد مسؤول أميركي، الجمعة، بأنّ بلاده ساعدت في إسقاط الصواريخ الإيرانية.
لكن في منطقة تل أبيب، طال دمار وأضرار جسمية العديد من المنازل، حيث جرب الإبلاغ عن مقتل 3 أشخاص وإصابة العشرات بجروح، من بينهم سبعة عسكريين.
وفي إيران، أسفرت الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت أيضا مباني سكنية عن سقوط 78 قتيلا وأكثر من 320 جريحا، بينهم “غالبية كبرى من المدنيين”، بحسب سفير إيران لدى الأمم المتحدة أمير إيرواني.
السبت أيضا، استهدفت ضربات إسرائيلية جديدة أنظمة دفاع جوي في منطقة طهران و”عشرات” منصات إطلاق صواريخ أرض – أرض في إيران، بحسب إسرائيل.
وأوردت وكالتا “فارس” و”مهر” الإيرانيتان أن ضربات إسرائيلية جديدة استهدفت السبت مدينة تبريز ومناطق في محافظات لورستان وهمدان وكرمنشاه في غرب وشمال غربي إيران.
وأفادت وكالة “إرنا” عن إغلاق المجال الجوي الإيراني “حتى إشعار آخر”.
في إسرائيل، أُغلق مطار بن غوريون الدولي الرئيسي قرب تل أبيب، حتى إشعار آخر.
ويقول خبراء إن التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، اللتين تفصل بينهما أكثر من 1500 كيلومتر، يثير مخاوف من نزاع طويل الأمد في المنطقة.
من هذا المنطلق، ألغت العديد من شركات الطيران رحلاتها أو حوّلتها، بينما شهدت أسعار النفط ارتفاعا.
وفي أعقاب أولى الهجمات الإسرائيلية، حضّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب إيران الجمعة على “إبرام اتفاق” بشأن ملفها النووي، محذّرا بأن الضربات التالية ستكون “أكثر عنفا”، ووصف الضربات الأولى بأنها “ممتازة”.
رغم الدعوات الدولية لخفض التصعيد، توعّد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إيران بمزيد من الضربات.
وقال نتنياهو في رسالة مصورة الجمعة، “قضينا على كبار القادة العسكريين، العلماء النوويين البارزين، أهم منشآت النظام لتخصيب اليورانيوم، وقسم كبير من ترسانة صواريخه الباليستية”.
على الصعيد العسكري، أعلن الجيش الإسرائيلي “تدمير” مصنع لتحويل اليورانيوم في أصفهان (وسط) وقاعدة عسكرية في تبريز (شمال غرب).
غير أنّ منظمة الطاقة الذرية الإيرانية قالت إن الأضرار في أصفهان وموقع فوردو جنوب طهران كانت محدودة.
وذكر التلفزيون الإيراني الرسمي أن مركز تخصيب اليورانيوم في نطنز في وسط البلاد تعرّض للاستهداف.
وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، نقلا عن معلومات إيرانية أن القسم فوق الأرض من منشأة فوردو “دُمر”، غير أنه لم يسجل أي ارتفاع في مستوى الإشعاع فيها.
وأسفرت الضربات الإسرائيلية الأولى فجر الجمعة عن مقتل قادة عسكريين إيرانيين كبار، من بينهم رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة محمد باقري، وقائد الحرس الثوري الإسلامي حسين سلامي، وقائد القوة الجوفضائية للحرس أمير علي حاجي زاده ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة محمد باقري وستة من علماء البرنامج النووي الإيراني.
كما أعلن التلفزيون الإيراني الرسمي السبت مقتل ضابطين كبيرين في الجيش، هما اللواء غلام رضا محرابي واللواء مهدي رباني.
ماذا تمتلك إيران؟
قال الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء المتقاعد فايز الدويري إن امتلاك إيران ما وصفه بـ”الصبر الإستراتيجي” يمنحها أفضلية على المدى الطويل في المواجهة الحالية مع إسرائيل، مشيرا إلى أن طول أمد الحرب قد يُحدث تحولا في ميزان الردع لمصلحة طهران.
وأضاف الدويري -في تحليل عسكري- أن إيران، التي تعرضت لهجمات استهدفت قادتها ومنشآتها النووية، تسعى لاستعادة توازن الردع عبر رد مدروس ومتدرج، وهي تملك من أدوات القوة ما يتيح لها التحكم بإيقاع التصعيد، إذا ما أُحسن توظيف هذه الأدوات وفق تكتيكات زمنية ومكانية متكاملة.
وأوضح أن الصواريخ الباليستية والفرط صوتية، إلى جانب الطائرات المسيّرة، يجب أن تُستخدم بتزامن دقيق لإحداث حالة من الإغراق الدفاعي، مشيرا إلى أن منظومات الدفاع الإسرائيلية -رغم الدعم الأميركي- لم تستطع صد سوى 75% من الموجة الأولى التي أطلقتها إيران، حيث أصابت نحو 50 صاروخا أهدافها داخل إسرائيل.
وفي هذا السياق، كانت الجبهة الداخلية الإسرائيلية قد أعلنت صباح اليوم السبت أن دفعة سادسة من الصواريخ أُطلقت من إيران واستهدفت مناطق واسعة، في حين أسفرت الضربات عن مقتل 3 إسرائيليين وإصابة نحو 90 آخرين، فضلا عن تدمير واسع في مناطق عدة من تل أبيب الكبرى.
مدن صواريخ مدفونة
وأشار الدويري إلى أن طهران تملك ما تُعرف بـ”مدن الصواريخ” المدفونة في أنفاق إستراتيجية تؤمّن مخزونها بعيدا عن الاستهداف، وهو ما يمنحها قدرة مستدامة على مواصلة الهجمات.
وقال إن تصريحات إيران بشأن توسيع الرد يجب أن تُؤخذ على محمل الجد، خاصة بعد تحذيرها واشنطن ولندن وباريس من استهداف قواعدها وسفنها إذا تدخلت.
وكان المتحدث باسم الجيش الإيراني قد قال إن الرد الصاروخي المقبل سيكون “أشد بـ20 ضعفا” من الهجوم الأول، في حين أكدت وكالة مهر أن إيران أبلغت عواصم غربية بنيّتها توسيع الضربات ضد إسرائيل، بينما نقلت وكالة فارس عن مصدر عسكري أن “الحرب ستتوسع لتشمل القواعد الأميركية في المنطقة”.
وفي تقييمه للبيئة الاستخبارية، قال الدويري إن إيران تملك بنك أهداف كبيرا داخل إسرائيل بفضل ما جمعته من معلومات عبر عقود، إلى جانب ما يمتلكه حلفاؤها كحزب الله، مضيفا أن طهران تستند إلى إرث استخباري ممتد منذ الثورة، وهو ما يعزز قدرتها على تنفيذ ضربات دقيقة ومؤلمة.
رغم الضربات القاسية
كما أشار إلى أن إسرائيل وجهت ضربات قاسية استهدفت علماء ذرة وقادة عسكريين إيرانيين، لكن فقدان هؤلاء، رغم صعوبته، لم يعطل منظومة الرد الإيرانية، نظرا لاعتمادها على بنية مؤسسية ممتدة ومخزون بشري إستراتيجي.
وقال إنه من الصعب على إسرائيل تحمل تبعات تصعيد واسع، في ظل كثافة سكانية هائلة داخل تل أبيب الكبرى.
وبشأن الطائرات المسيّرة، أوضح الدويري أنها تلعب دورا محوريا إذا ما استُخدمت بشكل تكاملي مع الصواريخ، مشيرا إلى أن إطلاقها بالمئات في توقيت متزامن مع هجمات صاروخية يمكن أن يُحدث انهيارا نسبيا في فاعلية الدفاعات الجوية، مما يقلل معدل الاعتراض إلى نحو 25% فقط.
ويرى الدويري أن طول أمد المعركة قد يمنح إيران أوراق تفاوض قوية، خاصة إذا استمرت الضربات المؤثرة دون استنزاف كبير لقدراتها، وأشار إلى أن نجاح طهران في الصمود والتصعيد المتدرج سيمنح مفاوضها مساحة أكبر للمناورة عندما يحين وقت العودة إلى طاولة الحوار.