في تصعيد رمزي لافت يعكس حالة الغضب الشعبي والإشارات المبطنة بالرد، رُفعت يوم السبت 13 يونيو 2025 “الراية الحمراء” فوق قبة مسجد جمكران بمدينة قم الإيرانية، وذلك عقب الهجمات الإسرائيلية واسعة النطاق التي استهدفت منشآت نووية وأدت إلى مقتل عدد من القادة العسكريين والخبراء النوويين الإيرانيين. وقد جاء رفع الراية ليحمل رسائل متعددة تتقاطع بين الديني والسياسي والعسكري.
ويُعتبر رفع الراية الحمراء في التراث الشيعي إعلانًا للثأر ونداءً مفتوحًا للانتقام، إذ يرمز اللون الأحمر إلى دماء الشهداء، وترتبط هذه الراية بشكل خاص بذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي في كربلاء، حيث كُتب عليها عادة “يا لثارات الحسين”. وقد شوهدت مشاهد بثتها وسائل الإعلام الرسمية لعشرات الإيرانيين وهم يتجمعون في باحة المسجد مرددين شعارات الغضب، في مشهد يعيد إلى الأذهان لحظات مماثلة شهدها هذا المكان عقب اغتيال قاسم سليماني عام 2020، والقيادي في حماس إسماعيل هنية في طهران العام الماضي.
ما رمزية الراية الحمراء في العقيدة الشيعية؟
يُعتبر رفع الراية الحمراء في الأماكن المقدسة الشيعية فعلًا يحمل أبعادًا رمزية وروحية وسياسية. فهي لا تُرفع إلا في حالات الحداد الكبرى، أو عند سقوط “شهيد كبير” يستحق مناصرة علنية وثأرًا منتظرًا. الراية تشير إلى أن “الدم لم يُثأر له بعد”، وتُستخدم كنداء عام للمؤمنين بأن ساعة التحرك قد اقتربت.
وبحسب حجة الإسلام ياسين حسين آبادي، أحد المسؤولين عن الشؤون الثقافية في مسجد جمكران، فإن تقليد رفع الراية الحمراء في هذا المسجد بالتحديد بدأ منذ نحو ثلاث سنوات، ضمن مراسم الأيام العشرة الأولى من شهر محرم. لكنه تحوّل إلى أداة تعبير عن الرد السياسي والروحي في لحظات الصدمة، خصوصًا عندما يعبّر النظام عن رغبته في تعبئة شعبية أو إيصال رسائل تحدٍّ للعالم.
ما هو مسجد جمكران ولماذا اختير لرفع الراية؟
يقع مسجد جمكران في ضواحي مدينة قم، وهو أحد أقدس المواقع لدى الشيعة الاثني عشرية، ويرتبط بحسب المعتقدات الشعبية بظهور الإمام المهدي المنتظر، الإمام الثاني عشر. وبحسب الروايات، فقد ظهر الإمام المهدي لرجل صالح يُدعى حسن بن مثلة جمكران عام 393 هـ (1002 م) وأمره ببناء المسجد، ليكون مركزًا للدعاء والتوسل بظهوره.
ومنذ الثورة الإسلامية عام 1979، خصوصًا بعد وصول المرشد الأعلى علي خامنئي إلى سدة القيادة عام 1989، اكتسب المسجد بعدًا رسميًا وسياسيًا، وتمت توسعته بشكل كبير ليضم خمس قباب في سابقة نادرة في العمارة الشيعية، ويُعدّ الآن نقطة التقاء رمزية بين البعد العقائدي والمشروع السياسي للجمهورية الإسلامية.
وكان الجنرال قاسم سليماني نفسه من مرتادي المسجد، ما يُضفي عليه طابعًا من الرمزية الثورية والعسكرية في آن.
ما دلالة هذا التحرك بعد الهجمات الإسرائيلية؟
يرى مراقبون أن رفع الراية الحمراء في هذا التوقيت يشير إلى أن طهران قد تتجه إلى تصعيد مدروس أو غير مباشر، رُبما عبر وكلائها في المنطقة، أو عبر خطوات انتقامية ذات طابع رمزي أو أمني. كما أن اختيار المسجد يحمل في طياته رسالة داخلية لشحن التعبئة العقائدية لدى الشارع الإيراني، ورسالة خارجية بإيصال الإنذار بأن إيران “لم تقل كلمتها الأخيرة بعد”.
ختامًا، فإن الراية الحمراء فوق جمكران ليست مجرد قطعة قماش ملوّنة، بل هي علامة تعبئة، ونداء ثأر، ولغة رمزية يقرأها الإيرانيون جيدًا، ويترقّبها خصومهم بقلق بالغ.