هل الهجوم الإسرائيلي هو بداية حرب إقليمية أم نهاية الخطر النووي؟
قد يُنظر إلى هجوم الكيان المحتل على إيران في 12 يونيو كإشارة لبداية تصعيد إقليمي شامل، أو كضربة استباقية ناجحة أنهت تهديد القنبلة الإيرانية، يتوقف التصنيف التاريخي لهذا الحدث على نتائج الأيام والأسابيع القادمة. بينما يرى البعض أن الضربة قد تدفع إيران إلى تسريع مشروعها النووي بشكل انتقامي، يرى آخرون أن الهجوم قد أدى إلى تعطيل هيكلي طويل المدى لقدرات طهران النووية.
لم تعد المسألة افتراضية، بل دخلت حيز التجربة الواقعية؛ فكل التحليلات السابقة عن جدوى الخيار العسكري أمام إيران أصبحت الآن أمام اختبار حاسم. ما سيحكم نجاح أو فشل هذه العملية ليس فقط حجم الأضرار المباشرة، بل قدرة إيران على التعافي، وإرادتها في مواصلة التخصيب والتسلح. هناك توازن دقيق بين ردع إيران ورد فعلها العكسي.
توقيت الهجوم يثير تساؤلات حول النوايا الصهيونية طويلة المدى، إذ جاء قبل أيام من جولة تفاوضية جديدة بين طهران وواشنطن، هذا التوقيت يوحي برغبة تل أبيب في تغيير قواعد اللعبة قبل أي انفراجة دبلوماسية محتملة، وقد يكون أحد أهداف الهجوم هو فرض واقع جديد قبل عودة محتملة للاتفاق النووي.
ما هي عوامل تقييم نجاح الضربة العسكرية الإسرائيلية؟
المحللون يشيرون إلى أربعة معايير لتقييم نجاح الضربة: تدمير المواد النووية، والقضاء على الأجهزة الأساسية لتصنيع السلاح، وإضعاف الكادر المعرفي البشري الإيراني، والأهم من ذلك إقناع إيران بإعادة التفكير في برنامجها النووي، النجاح الجزئي في أحد هذه الجوانب لا يضمن نجاح المهمة بأكملها.
في المدى القريب، سيركز التقييم على كمية اليورانيوم المخصب التي ما تزال بحوزة إيران، وعدد أجهزة الطرد المركزي التي ما تزال صالحة للاستخدام، وقدرة النظام الإيراني على إعادة التجميع وإعادة التشغيل. أما في المدى المتوسط، فسيُقاس النجاح بمدى تراجع إيران عن تطوير القنبلة أو تحوّلها إلى استراتيجية أكثر انكفاء.
العامل الرابع والأصعب في التقييم هو الإرادة السياسية الإيرانية. فإقناع دولة مُحاصرة ومُستهدفة بأن التخلي عن طموحها النووي هو الخيار الأفضل يتطلب أكثر من صواريخ موجهة. إذا لم يترافق الهجوم مع قناة دبلوماسية قوية أو اتفاقيات ردعية، فقد يكون مجرد تأخير مؤقت في مسار التسلح الإيراني.
ما هي التقديرات الأولية لحجم الدمار والتأثير العسكري؟
وفقاً لوكالة الطاقة الذرية، فإن موقع فوردو، الأشد تحصيناً، قد تعرض لهجوم، لكن لا توجد دلائل قاطعة على اختراق دفاعاته أو تدمير أجهزته بالكامل. الأسئلة المحورية الآن: هل ما تزال إيران تحتفظ بكمية كافية من اليورانيوم المخصب؟ وهل أجهزة الطرد المركزي الرئيسية ما تزال عاملة؟ إذا كانت الإجابة نعم، فإن إعادة بناء القدرات النووية قد تستغرق أسابيع فقط.
إسرائيل أظهرت قدرة تقنية عالية على الوصول لأهداف داخل العمق الإيراني، وتدمير مراكز حيوية في البرنامج النووي. إلا أن حجم الضرر يبقى غير محسوم، لا سيما مع وجود أنظمة إيرانية بديلة أو احتياطية، بالإضافة إلى مكونات متناثرة في مواقع سرية. الحجم الجغرافي لإيران يعقد المهمة كثيراً.
البرنامج الإيراني مبني على نموذج متدرج ومنتشر، مما يجعل تدميره الكامل في عملية واحدة شبه مستحيل. حتى لو نجحت إسرائيل في تدمير منشآت رئيسية، فالمواد والكوادر والخطط البديلة قد تسمح باستئناف العمل سريعاً.، وتوازن الردع لا يُقاس فقط بالمنشآت، بل بالقدرة الكامنة والروح المعنوية داخل النظام.
هل اغتيال العلماء يؤثر علي استئناف البرنامج؟
رغم أن إسرائيل اغتالت شخصيات بارزة مثل فريدون عباسي ومحمد مهدي تهرانجي، إلا أن إيران ما تزال تحتفظ بطيف واسع من العلماء والتقنيين القادرين على مواصلة المشروع، والعمليات النوعية لا تكفي إن لم تشمل تدميراً معرفياً وإرهاباً علمياً يجعل الكوادر تتراجع عن العمل في القطاع النووي.
الخبراء يؤكدون أن أحد أهم أركان البرنامج النووي الإيراني هو العنصر البشري، وهو عنصر يصعب القضاء عليه عبر ضربة جوية. طالما احتفظت إيران بعلمائها وخبرائها، فإن تعافيها سيكون أسرع مما يتوقع البعض، خصوصاً إذا وفّرت الصين أو روسيا الدعم الفني اللازم.
الطبيعة المغلقة لبعض المرافق والمواقع النووية، وامتلاك إيران لتكنولوجيا التمويه والإخفاء، يضيفان بعداً من الغموض. قد تكون هناك منشآت لم تُكتشف بعد أو لم تُستهدف بعد. وهذا ما يجعل الحديث عن نهاية البرنامج النووي الإيراني سابقة لأوانها ومبنية على فرضيات غير مؤكدة.
هل تميل إيران إلي التصعيد أم إلى التراجع؟
قد يبدو من البديهي أن إيران سترد بضربات انتقامية وتصعيد عسكري واسع، لكن هناك احتمال آخر يتبلور في ظل حجم الخسائر المتوقعة، يتمثل في بحث إيران عن “مخارج تفاوضية” تحفظ ماء الوجه وتقلّص الضرر المستقبلي، وهذا الاحتمال مرهون بتوسّع الضربات الإسرائيلية وتعمقها في الأيام المقبلة.
الهجوم قد يقلب التوازن الداخلي في إيران، بين جناح متشدد يدعو للرد الشامل، وآخر براغماتي يفضل المفاوضات لاحتواء الأزمة. هذه الانقسامات ستتبلور خلال الأسابيع المقبلة، وقد تحدد مستقبل البرنامج النووي ذاته، سواءً بمزيد من السرية أو بخفض وتيرته.
التخوف الأكبر في إسرائيل أن يؤدي الهجوم إلى “إضفاء الشرعية” على تسلح إيران نووياً، حيث تصبح القنبلة وسيلة ردع مؤكدة بعد أن فشل الردع التقليدي، وفي هذا السيناريو، تكون إسرائيل قد فتحت الباب دون قصد أمام تسريع البرنامج بدلاً من تعطيله، خاصة إذا فشلت الضربات في تحقيق نتائج استراتيجية حاسمة.
ما هي مخاطر تسريب التكنولوجيا النووية إلى أطراف ثالثة ؟
أحد التداعيات غير المباشرة التي يخشاها خبراء حظر الانتشار النووي هو أن تؤدي الضربات إلى دفع إيران لتغيير طبيعة تعاونها الدولي، عبر نقل المعرفة أو التكنولوجيا إلى أطراف ثالثة حليفة أو “انتقامية”، كوسيلة ردع غير مباشرة. مثل هذا السيناريو سيكون بمثابة تهديد خطير للأمن الإقليمي والعالمي.
إذا شعرت طهران بأنها مهددة في كيانها واستمرار برنامجها، فقد تجد في تسريب التقنية النووية وسيلة للانتقام غير التقليدي، خصوصاً إلى حلفائها مثل حزب الله أو الحوثيين، أو حتى جهات غير دولية يصعب تتبعها. بهذا، يتحول الصراع من صراع دولة إلى صراع شبكي لا يمكن احتواؤه بسهولة.
مثل هذا التطور سيكون خطاً أحمر حقيقياً بالنسبة لإسرائيل والغرب، إذ يجعل من كل عمل عسكري مستقبلي مغامرة محفوفة بالعواقب. لذا فإن إدارة تبعات الضربة يجب أن تشمل أيضاً مراقبة شديدة لأي مؤشرات على انتشار غير شرعي للمواد أو الخبرات النووية الإيرانية.
ما هي إمكانية إنشاء بنية تحتية نووية بديلة أكثر تحصيناً في إيران؟
من الدروس التي قد تستخلصها إيران من الهجوم هو أن إنشاء منشآت بديلة أكثر عمقاً وتحقيقاً للسرية قد يكون الحل الوحيد للاستمرار. إذ من المتوقع أن تدفع طهران إلى بناء منشآت تحت الأرض على غرار فوردو، لكن بوسائل حماية متقدمة وتحت إشراف الحرس الثوري مباشرة.
الهجوم قد يدفع إيران لتبني استراتيجية “الانتشار غير المركزي”، أي توزيع أجزاء من البرنامج في مواقع متعددة ومتفرقة جغرافياً. هذا النموذج يضمن مرونة التعافي ونجاة بعض المكونات من أي هجوم مستقبلي، ويجعل الاستهداف أكثر صعوبة وتكلفة للطرف المهاجم.
وفي المقابل، سيعني هذا الاتجاه أن أي اتفاق دبلوماسي قادم سيكون أكثر تعقيداً من السابق، إذ يصعب التحقق من نشاطات مشتتة وغير مركزية، ما يجعل فرص التوصل لاتفاق شامل تتضاءل إذا لم يكن هناك اختراق استخباراتي غير مسبوق داخل النظام الإيراني.
ما هي انعكاسات الضربة على سباق التسلح الإقليمي؟
الهجوم الإسرائيلي قد يشجع دولاً أخرى في المنطقة على مراجعة مواقفها من الطاقة النووية، سواء للأغراض السلمية أو الدفاعية. فالدول العربية التي شعرت بأن “المعاهدة النووية” لم تمنع الحرب، قد تبدأ في التفكير بخيارات ردعية استراتيجية، بما فيها تطوير برامجها النووية السلمية ذات الاستخدامات المزدوجة.
دول مثل السعودية والإمارات وتركيا قد ترى في الحادث رسالة مزدوجة: أن امتلاك ردع نووي يحمي من العدوان، وأن عدم امتلاكه يجعلها عرضة لابتزاز إقليمي. هذا التفكير قد يفتح الباب لتنافس على التكنولوجيا النووية في ظل غطاء سلمي لكن بأهداف بعيدة المدى.
إذا لم تتم إدارة التبعات الدبلوماسية والعسكرية للهجوم بشكل منضبط، فقد نشهد في غضون سنوات قليلة تحوّل الشرق الأوسط إلى منطقة متعددة القواعد النووية، ليس فقط من حيث المنشآت، بل كأفكار وتحالفات وردع متبادل، ما يعقّد أي مبادرة مستقبلية للسلام أو نزع السلاح.
هل يمكن اعتبار الخطوط الحمراء الصهيونية نموذجا دوليا جديدا ؟
الضربة تمثل اختباراً واضحاً لمبدأ “الخط الأحمر” الذي أعلنه جيش الاحتلال مراراً فيما يخص قدرة إيران على امتلاك سلاح نووي. وهي بذلك تسعى لتأكيد أن تهديداتها لم تكن للاستهلاك الإعلامي بل قابلة للتنفيذ الفوري. نجاح الضربة أو فشلها سيؤثر على مصداقية هذا المبدأ في أعين الخصوم والحلفاء.
إذا اعتُبر الهجوم ناجحاً في تأجيل أو منع إيران من الوصول إلى القنبلة، فإن هذا سيمنح الكيان نوعاً من الردع النفسي والسياسي في ملفات أخرى مثل لبنان أو سوريا. أما إذا تبيّن أنه فشل أو جاء بنتائج عكسية، فإن ذلك سيقوض مصداقية إسرائيل أمام جمهورها وأمام حلفائها.
كما أن دولاً مثل روسيا والصين تراقب كيف تعامل الكيان مع تهديد قريب، وقد تبني على ذلك نماذج للتعامل مع التهديدات على حدودها، مما قد يجعل الهجوم الإسرائيلي مرجعاً لدول أخرى في فرض هيبتها الإقليمية عسكرياً.
كيف أصبح الجانب السيبراني جزءاً من المعركة؟
رغم تركيز الإعلام على الجانب الجوي في الضربة، فإن بعض المؤشرات توحي بأن الكيان المحتل شن هجمات إلكترونية متزامنة لتعطيل الدفاعات الإيرانية أو تشويش البيانات المرتبطة بالمنشآت النووية. فتل أبيب تملك تاريخاً حافلاً في استخدام الحرب السيبرانية، كما حدث مع فيروس “ستاكسنت” في 2010.
إذا تأكد أن الهجوم تضمن استخداماً واسعاً للأدوات السيبرانية، فإن هذا يفتح باباً جديداً في الحروب الحديثة، حيث تصبح البنى التحتية الذكية والمعلوماتية ساحة أساسية في الصراع، ويضع المنشآت النووية في وضع أكثر هشاشة حتى دون الحاجة لهجوم مادي مباشر.
مثل هذه الأبعاد التقنية تضع تحدياً أمام إيران يتمثل في ضرورة تأمين شبكة معلوماتها وتحديث دفاعاتها الإلكترونية، الأمر الذي قد يتطلب موارد ضخمة وقدرات قد لا تكون متاحة بسهولة في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد.
هل يمكن أن يعيد الكيان هندسة صورتها الأمنية أمام العالم؟
الضربة تمثل من الناحية الرمزية استعراضاً للقوة الإسرائيلية أمام العالم، ليس فقط تجاه إيران، بل تجاه القوى الدولية التي كانت تروّج لفكرة أن العمل العسكري غير ممكن أو غير مجدٍ، والكيان أعاد التأكيد بأنها قادرة على الضرب في العمق، متى ما اعتقدت أن وجودها مهدد.
هذه الصورة تخدم أهدافاً دبلوماسية مستقبلية، خصوصاً في ملف التطبيع مع الدول العربية أو تعزيز التحالف مع واشنطن. فهي تُظهر الكيان كقوة حاسمة وفاعلة في ردع “العدو المشترك”، وهو ما يمكن أن يقنع شركاء جدد بالانضمام إلى ترتيبات أمنية تحت قيادتها.
غير أن هذه الصورة لا تخلو من جوانب سلبية، فالبعض قد يراها استعلائية أو مهددة للاستقرار الإقليمي، مما قد يولد عداءً مضاداً على المدى الطويل ويؤثر على شرعية إسرائيل في المحافل الدولية، خصوصاً إذا تسببت الضربة في كارثة إنسانية أو بيئية.
ما هي احتمالات التدويل الأممي للصراع؟
في حال تصاعد التوتر إلى ما يشبه الحرب المفتوحة، قد تطالب إيران بعقد جلسات طارئة في مجلس الأمن، وتتهم الكيان بانتهاك ميثاق الأمم المتحدة عبر عدوان غير مبرر. هذا قد يؤدي إلى تدويل الصراع بشكل أكبر، ويفرض على الدول الكبرى إعلان مواقف واضحة.
الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً فرنسا وألمانيا، قد تجد نفسها مضطرة لإعادة تقييم علاقتها بكل من جيش الاحتلال وإيران، والبحث عن دور وساطة جديد. كما أن روسيا والصين قد تستغلان الموقف لتعزيز صورتهما كقوى مسؤولة تدعو للتهدئة في مقابل ما قد يُصوّر على أنه عدوان غربي.
ولكن من غير المرجح أن يصدر عن مجلس الأمن قرار واضح يدين الكيان المحتل، بسبب الفيتو الأميركي المتوقع. ما يجعل التدويل محصوراً في الإطار الإعلامي والدبلوماسي، دون القدرة على فرض عقوبات أو تغيير مجريات الميدان.