في خطوة مثيرة للجدل تحمل أبعادًا سياسية ورمزية بالغة، أعلنت بلدية طهران رسميًا اليوم الأحد، تغيير اسم شارع “خالد الإسلامبولي” — الذي ظل يحمل الاسم نفسه لأكثر من أربعة عقود — إلى “شارع الشهيد حسن نصرالله”، الأمين العام لحزب الله اللبناني، الذي قُتل مؤخرًا في غارة إسرائيلية.
ورغم أن الخبر قد يبدو مجرد إجراء بلدي إداري، إلا أن دلالاته السياسية والثقافية تتجاوز حدود الجغرافيا الإيرانية، لتلقي بظلالها على العلاقات المصرية الإيرانية، وعلى مسار التقارب الجاري بين القاهرة وطهران.
خلفية تاريخية: لماذا خالد الإسلامبولي؟
يحمل اسم خالد الإسلامبولي وقعًا حساسًا في الذاكرة المصرية الحديثة؛ إذ كان ضابطًا مصريًا اغتال الرئيس الراحل أنور السادات في حادثة 6 أكتوبر 1981 الشهيرة، خلال احتفالات النصر، اعتراضًا على توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل.
ومنذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وجدت طهران في الإسلامبولي رمزًا للمقاومة ضد “التطبيع”، فقامت بتسمية أحد شوارعها باسمه، بل ونصبت له تمثالًا، في خطوة أغضبت القاهرة بشدة آنذاك، وتسببت في تجميد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لعقود طويلة.
التغيير الآن: ما الذي يعنيه؟

قرار تغيير الاسم الآن يشير إلى إرادة إيرانية واضحة لإعادة ضبط البوصلة الرمزية للعلاقة مع مصر، خاصة في ظل الانفراج النسبي الذي تشهده العلاقات بين البلدين مؤخرًا.
وقد صرّح السفير الإيراني لدى القاهرة، محمد حسين سلطاني فرد، أن هذه الخطوة تأتي “في إطار العلاقات الحميمة بين البلدين، والارتقاء ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي”، ما يعزز القراءة التي ترى أن القرار جزء من حزمة رسائل سياسية لإظهار حسن النية تجاه القاهرة.
وفي المقابل، فإن اختيار الاسم البديل “الشهيد حسن نصرالله” لا يخلو من حسابات رمزية أخرى، فهو يمثل استمرارًا لخطاب “المقاومة” الإيراني، ولكن بنسخة لا تستفز القاهرة بشكل مباشر كما كان الحال مع خالد الإسلامبولي، خصوصًا وأن نصرالله — رغم الجدل حول سياساته — لم يحمل يومًا سلاحًا ضد الدولة المصرية أو رموزها.
أثر ذلك على العلاقات المصرية الإيرانية
هذا التغيير يعزز فرضية أن طهران تحاول إنهاء الملفات العالقة التي كانت تعيق تطبيعًا كاملاً للعلاقات مع مصر، وعلى رأسها رمزية الإسلامبولي، والتي كانت تمثل دائمًا “شوكة رمزية” في خاصرة العلاقات الدبلوماسية.
يأتي هذا التوجه في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات استراتيجية، أبرزها التقارب السعودي الإيراني، والانفتاح الإيراني على دول الخليج، والتفاعل المصري مع وساطات إقليمية لإعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي مع طهران.
الأثر الماضوي والدلالات الثقافية
يُعد شارع خالد الإسلامبولي أحد أبرز الأمثلة على كيف أن “ذاكرة الشارع” يمكن أن تكون ساحة لمعركة دبلوماسية رمزية. لقد ظل هذا الاسم لعقود عنوانًا للعداء الإيراني غير المباشر تجاه السياسات المصرية، وتحول إلى علامة دائمة على توترٍ سياسي لم يُعالَج.
ومع تغييره، تتاح فرصة جديدة لإعادة قراءة الذاكرة المتبادلة بين البلدين. فمحو اسم الإسلامبولي من لافتة الشارع لا يعني فقط حذف اسم شخص، بل يعني إزالة رمز من رموز القطيعة القديمة، وبداية لغة جديدة في العلاقات.
ختام تحليلي
في المحصلة، فإن قرار بلدية طهران ليس مجرد إجراء إداري، بل تحرك سياسي بامتياز، يعكس رغبة طهران في كسر “تابوهات” الماضي مع مصر. وإذا تم التعامل معه من الجانب المصري على أنه خطوة إيجابية ضمن مسار أوسع، فقد يشهد العام الجاري نقلة نوعية في العلاقات المصرية الإيرانية، خاصة مع التحديات المشتركة في ملفات الأمن الإقليمي، وغزة، والحدود، والطاقة.
ومع ذلك، تبقى الاختبارات الحقيقية أمام هذا التقارب في كيفية تعامل البلدين مع ملفات حساسة مثل النفوذ الإقليمي، والتقارب مع إسرائيل، والدور الإيراني في المشرق العربي.