كتاب “فن القول” للدكتور أمين الخولي هو عمل فكري ونقدي لغوي، يعالج فيه الكاتب قضية التعبير الجيد وأصوله في اللغة العربية، ويتناول فيه الجوانب الفنية للكلام، من النثر والخطابة والشعر، في ضوء التراث البلاغي والنقدي، وفي إطار تطور الوعي الأدبي والبياني.
فكرة الكتاب الأساسية
يرى أمين الخولي أن “فن القول” ليس مجرد مهارة لغوية، بل هو فن له أصول وقواعد، تتلاقى فيه البلاغة، والنقد الأدبي، والفكر. ويؤمن أن التعبير الراقي مرآة لثقافة الأمة، وهو أحد وجوه الحضارة الإنسانية.
أبرز الموضوعات التي تناولها الكتاب:
- ماهية القول الفني
القول عند الخولي ليس كل كلام، بل هو الكلام المسبوك صياغةً، والمشحون دلالةً، والمؤثر في السامع أو القارئ. فهو يقوم على الإبداع والاقتناع والإمتاع. ويفرق بين الكلام العادي والقول الفني، حيث يكون الثاني أعمق أثراً وأعلى مقاماً.
2- البلاغة العربية القديمة
يناقش الخولي البلاغة العربية التقليدية، ويعرض لجهود الجرجاني وابن المعتز وقدامة بن جعفر، لكنه ينتقد جمود البلاغيين على المفاهيم الشكلية، داعيًا إلى بلاغة جديدة تنظر في الأثر، والهدف، والبيئة.
- اللغة والفكر
اللغة ليست وعاءً للفكر فقط، بل هي أداة تشكيله. فلا قول فني بلا فكر حي، ولا تعبير مؤثر بلا وعي. ويؤكد أن الإبداع اللغوي مرتبط بالحرية الفكرية، والنضج الثقافي.
- فن الخطابة
يولي الخولي أهمية كبرى للخطابة، ويعدها فنًّا من فنون القول القوي والمؤثر، يشترط فيها:
وضوح الهدف
حسن الترتيب
صدق العاطفة
مخاطبة العقل والوجدان معًا
- القول في الأدب الحديث
يرصد التحولات التي طرأت على فن القول في العصر الحديث، ويتناول صعود النثر الفني، وتطوّر أساليب التعبير، وتغير الذوق الجمالي، مؤكدًا أن التجديد لا يعني القطيعة مع التراث، بل الانطلاق منه.
خلاصة رؤية أمين الخولي:
القول الجيد لا يقوم على الزخرفة اللفظية، بل على الصدق والجمال والعمق.
لا بد من تربية لغوية وفكرية تؤسس لنهضة التعبير في الثقافة العربية.
البلاغة فن حيّ، يجب أن يواكب الزمن ويعبر عن الإنسان في واقعه وروحه.
أسلوب الكتاب:
أسلوب الخولي يتسم بالرصانة، والعمق، مع لمسات بيانية راقية، وتحليل لغوي دقيق. وهو يجمع بين أصالة التراث وروح الحداثة.
الفصل الأول:
القول وفن القول
يبدأ الخولي بتعريف “القول”، فيفصله عن مجرد “الكلام”، موضحًا أن القول الفني هو تعبير مقصود، يهدف إلى التأثير والإقناع والجمال، بينما الكلام العادي قد يخلو من هذه الأبعاد.
تحليل: يرسي المؤلف الأساس النظري للكتاب، ويقدّم بُعدًا فلسفيًا حول العلاقة بين اللغة والتعبير الإنساني، مشيرًا إلى أن الفن لا يُقاس باللفظ وحده، بل بما يتركه في النفس من أثر.
الفصل الثاني:
البلاغة والفن
يناقش مفاهيم البلاغة كما جاءت في التراث العربي، مستعرضًا أبرز النظريات (المجاز، الاستعارة، التقديم والتأخير…)، ثم ينتقد تقليدية هذه المفاهيم وانفصالها عن الواقع والذوق الأدبي الحي.
تحليل: يقدم الخولي هنا مشروعه في إحياء البلاغة بمعناها الجوهري، أي باعتبارها فنًا للتأثير والتمييز بين القول الجميل والركيك، داعيًا إلى تجاوز الصيغ المحفوظة إلى معايير حديثة تحاكي الذوق والفكر.
الفصل الثالث:
أدوات القول
يفصّل الخولي أدوات القول: من اللغة، والصوت، والنحو، والإيقاع، إلى ثقافة القائل نفسه. ويؤكد أن الأداة ليست شيئًا جامدًا بل متطورة، وأن اللغة لا تُستعمل فقط بل تُنحَت فنيًا.
تحليل: يبرز الجانب “الصناعي” في القول الفني، إذ لا يولد من فراغ، بل يحتاج إلى دراية وإحساس وعمل. ويتقاطع هنا مع مفاهيم النقد الحديث التي تربط بين المبدع وأدواته وتقنياته.
الفصل الرابع:
القول والخطابة
يركّز على فن الخطابة، ويُعيد تعريفها لا كوسيلة إقناع فقط، بل كفنّ تعبيري متكامل يشمل اللفظ، والصوت، والإيماءة، وبنية الموضوع. ويعود إلى خطباء العرب والمسلمين كنماذج (قُسّ بن ساعدة، النبي، الخلفاء…).
تحليل: يعطي هذا الفصل للقول بعدًا أدائيًا، ويُقرّب بين القول والخطابة المسرحية والسياسية، متأثرًا بتقاليد البلاغة الإغريقية والقرآنية. ويشدد على أن الخطابة مرآة الشخصية والأمة.
الفصل الخامس:
القول والأدب
يبحث العلاقة بين القول والأدب، ويرى أن الأدب هو أسمى صور القول، حيث تتداخل العاطفة والفكر والخيال. ويقارن بين الشعر والنثر، مشيدًا بالنثر الفني الحديث.
ينحاز الخولي إلى النثر الأدبي بوصفه “قول الأمة المعاصر”، ويدعو إلى تجاوزه من مجرد “نثر وظيفي” إلى نثر تعبيري فني. ويؤسس لرؤية ترى الأدب كأداة وعي ومقاومة حضارية.
الفصل السادس:
القول والتجديد
يناقش قضايا التجديد في القول، ويدعو إلى التحرر من أسر البلاغة المدرسية، وتبني تعبيرات جديدة تُحاكي الواقع الحديث. ينتقد الجمود في المدارس الأدبية والتعليمية.
هذا الفصل يمثل ذروة الرؤية الحداثية للخولي، حيث يُطالب بتربية أجيال تقول بفكر جديد، وتكتب بروح جديدة، دون أن تقطع مع التراث، بل تتفاعل معه تفاعلًا خلاقًا.
الفصل السابع:
القول والدعوة
يتحدث عن القول كوسيلة دعوية، لا في الخطاب الديني فقط، بل في كل خطاب يحمل رسالة. ويستشهد بالقرآن كنموذج أعلى لفن القول والدعوة معًا.
يُعيد المؤلف تعريف القول بوصفه أداة تغيير اجتماعي وثقافي وروحي، وليس مجرّد فن. ويُعلي من شأن اللغة القرآنية التي تُوازن بين الجمال والحق، بين الحجة والتأثير.
الخاتمة:
القول مسؤولية ورسالة
يُلخّص الخولي أفكاره بالتأكيد على أن القول ليس مهنة، بل رسالة ومسؤولية، وأن الأمة التي يُجيد أفرادها فن القول هي أمة حيّة قادرة على القيادة والتجديد.
المؤلف
أمين أنور الخولي (1مايو 1895 – 1385 هـ / 9 مارس 1966)، هو أديب مصري، وثوري شارك في ثورة 1919 ونُفي مع سعد زغلول إلى السيشيل. عرف الشيخ أمين الخولي بزيه الأزهري المميز، وبحكم رئاسته للقسم ووكالته لكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول والقيام بأعمال العميد لفترات قصيرة.
نشأته
ولد الشيخ أمين الخولي في أول مايو عام 1895 في قرية شوشاي في مركز أشمون بمحافظة المنوفية. دخل مدرسة لافيسوني في القاهرة ثم مدرسة المحروسة. حفظ القرآن وهو في العاشرة من عمره. وتخرج من مدرسة القضاء الشرعي. تزوج الشيخ أمين الخولي من الدكتورة عائشة عبد الرحمن وأنجب منها 3 أبناء .
عمله
تم تعيينه مدرسا في مدرسة القضاء الشرعي في 10 مايو عام 1920
في 1923، تم تعيينه إماماً للسفارة المصرية في روما
نقل إلى مفوضية مصر في برلين عام 1926
عاد عام 1927 إلى وظيفته في القضاء الشرعي
انتقل إلى قسم اللغة العربية بكلية الآداب 1928، وأصبح رئيسا لقسم اللغة العربية، ثم وكيلا لكلبة الآداب في 1946
تم تعيينه عام 1953 مستشارا لدار الكتب
عمل مديراً عاما للثقافة حتى خرج إلى المعاش أول مايو 1955
كتب في عديد من الصحف والمجلات وأصدر العديد من الدراسات والأعمال الإبداعية
أسس جماعة الأمناء عام 1944، ومجلة الأدب عام 1956
عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1966
من مؤلفاته
المجددون في الإسلام
من هدي القرآن: القادة والرسل
التفسير: نشأته – تدرجه – تطوره – كتب دائرة المعارف الإسلامية
صلة الإسلام بإصلاح المسيحية
من هدي القرآن: في رمضان
تاريخ الملل والنحل
تاريخ الحضارة المصرية: المجلد الثاني – العصر اليوناني والروماني والعصر الإسلامي
مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب
من هدي القرآن: في اموالهم
في الأدب المصري
وفاته
توفي الشيخ أمين الخولي في الساعة الثالثة بعد ظهر يوم الأربعاء الموافق التاسع من شهر مارس عام 1966 ودفن في قريته شوشاي.