الرواية: خطوات على الأرض المحبوسة
المؤلف: العقيد المهندس: محمد حسين يونس
قرأتُ هذه الرواية في فترة مبكرة من حياتي، واحتوتني بصدق نسجها، ودقة عباراتها، وآهات المؤلف بين السطور، وما زالت المشاهد حية أمامي وهو يحكي عن التعذيب والأسر وأسباب النكسة، وكيف أصبح مريضا نفسيا بعد عودته من الأَسر، فلم يتزوج، ولم يعد يثق في أي شيء
في لحظة فارقة من تاريخ الأمة، حيث تنقلب الأرض على من يسير فوقها، وتتحوّل الحدود إلى قضبان من نار، كتب العقيد محمد حسين يونس شهادته الحية، لا كمنتصرٍ على دبابة، بل كأسيرٍ يمشي في “أرض محبوسة”، خطواته مقيدة بذكرى الهزيمة، وكرامته معلقة على جدار الزنزانة.
ليست هذه رواية خيالية، بل وثيقة إنسانية مؤلمة ومضيئة، يروي فيها المؤلف يومياته كأسير مصري في سجون الاحتلال الإسرائيلي عقب نكسة 5 يونيو 1967.
المكان والزمان:
الزمن: صيف 1967 وما بعده، مباشرة بعد هزيمة الجيش المصري في سيناء.
المكان: من أرض المعركة إلى معسكرات الاعتقال الإسرائيلية، حيث يُحتجز الأسرى في ظروف قاسية تحاول أن تسحق روح الإنسان كما سُحقت الجيوش.
بطل القصة:
العقيد محمد حسين يونس، ضابط مصري لم يكن يتخيل أن تتحول شجاعته إلى تهمة، وأن يُحاسب على حبّه لوطنه بقيود في يده، وطعام لا يسد جوع الكرامة. لكنه ظل، حتى في أسره، جنديًا يدافع عن الأرض، ولكن من داخل الجدران.
– تفاصيل التجربة:
لحظة الأسر:
تبدأ الحكاية من ساحة القتال في سيناء، حيث خاض العقيد معركته الأخيرة، قبل أن يصاب ويقع في الأسر. لم يكن السقوط أمام العدو بقدر ما كان في قلبه سقوط الحلم العربي تحت جنازير الهزيمة.
“لم تكن الخسارة في الأرواح أو في الأرض فقط، بل في يقيننا أننا كنا مستعدين، فإذا بنا أمام مرآة مكسورة لذواتنا.”
نقل الأسرى:
في عربات مغلقة، لا تحمل إلا الهواء الساخن ورائحة الخوف، نُقل الأسرى من ساحة المعركة إلى داخل إسرائيل. رحلة الذل بدأت بالصمت، لكنها لم تنتهِ عند بوابة السجن.
“كل اهتزاز للعربة كان كأننا نُلقى في وادٍ سحيق… كان الطريق إلى السجن أطول من كل الطرق، لأننا كنا نحمل فيه الوطن المهزوم فوق أكتافنا.”
الحياة في المعتقل:
في السجن، كانت الكرامة هي العملة الوحيدة المتداولة بين الأسرى. رغم الجوع، رغم التحقيقات، رغم الإهانات، كان كل أسير يتمسك بما تبقى من إنسانيته.
الطعام شحيح، الهواء ملوّث بالخوف، والليل طويل بلا نوافذ.
لكن روح المقاومة لم تُكسر.
“لم يكن السجن أبوابًا من حديد، بل نظراتهم التي كانت تحاول أن تقنعنا أننا مهزومون إلى الأبد… ولم ينجحوا.”
المقاومة الصامتة:
من خلف القضبان، برزت محاولات الأسرى للحفاظ على هويتهم. بعضهم راح يستعيد آيات القرآن في أذنه، وبعضهم يُنشد الوطن كلما دخل إلى المرحاض، كأن الحيطان وحدها من يستحق أن يسمع.
“كنا نبني وطناً صغيرًا داخل جدران الزنزانة، بالكلمة، بالمشاركة، وبالابتسامة المكسورة على وجوهنا.”
العودة من الأسر:
في نهاية المطاف، وبعد مفاوضات استمرت شهورًا، عاد العقيد إلى أرضه. لكنه لم يعد كما كان. لم يعد مجرد ضابط في الجيش. عاد كشاهد على السقوط وعلى الصمود معًا.
“عدت من الأسر وأنا أعرف جيدًا أن الوطن قد يُسقط، لكنه لا يُسرق من القلوب. الوطن، حين يسكنك، لا تُخرجه حتى ألف سجن.”
مشهد الرواية
يحكي محمد حسين يونس أنه خرج من الخندق ليموت في العراء، وبينما هو في غيبوبة ينتظر خروج الروح، مرَّ أمامه سرب من الماعز، لا يعرف من أين جاء، وتوقفت معزة أمامه، فوضع فمه في مكان اللبن بضرعها، وظل يشرب منها حتى ارتوى.. ويستطرد: وظلت المعزة تنظر لي وأنظر إليها، حتى اختفت، وبعد عودتي للحياة ورجوعي من الأسر، وأنا أبحث لسنوات عن تلك العيون في كل النساء، فلم أجدها، ولذا لم أتزوج..
الرسائل المركزية في العمل:
- الهزيمة لا تكمن في الأسر، بل في اليأس.
- الاحتلال قد يأخذ الأرض، لكنه لا يستطيع أن يسجن الروح.
- كرامة الجندي لا تسقط حتى في أضعف لحظاته.
- السرد الإنساني يخلّد اللحظات التي يسعى التاريخ الرسمي لطمسها.
الأسلوب الأدبي:
لغة تجمع بين الواقعية والتأمل الفلسفي.
يكتب يونس بلسان الإنسان قبل العسكري.
أسلوبه مباشر لكنه شديد الإحساس، محمّل بالأسى والإصرار.
ينحو أحيانًا نحو الاعتراف الشخصي، مما يجعل النص شديد التأثير.
أهمية النص:
يمثل أحد أندر الشهادات من ضباط الجيش المصري عن تجربة الأسر في 1967.
يكشف ما لا تقوله الخطب الرسمية ولا تُظهره الأفلام.
يُعتبر وثيقة أدبية وتاريخية وإنسانية مهمة يجب أن تُقرأ من جميع الأجيال.
اقتباسات مختارة:
“لم نكن فقط أسرى حرب، كنا أسرى فكرة مهزومة، نحاول أن نخرجها من رؤوسنا قبل أن نخرج من السجن.”
“الأرض كانت محبوسة مثلنا، لم تكن تتحرك تحت أقدامنا، كانت تتنفس بصعوبة.”
“كل سجين في الزنزانة كان يحمل وطنه في عينيه… لم نكن وحدنا أبدًا.”
رواية “خطوات على الأرض المحبوسة” هي مذكرات العقيد محمد حسين يونس، وتتناول فترة أسره في إسرائيل بعد هزيمة 5 يونيو 1967 خلال العدوان الإسرائيلي على مصر. هذه ليست رواية تخييلية بل سرد واقعي وتوثيقي لتجربة الأسر، وقد صدرت في طبعة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
المؤلف
العقيد المهندس (محمد حسين يونس)..
قاص وروائي مصري، مولود في القاهرة في 3 مارس سنة 1940م.
حاصل على بكالوريوس العمارة في سنة 1962م.
عمل في القوات المسلحة حتى أكتوبر سنة 1970. ثم أحيل إلى المعاش
أُسِرَ المهندس العقيد محمد حسين يونس الكاتب والروائي، في إسرائيل عقب نكسة 1967.
أهم مؤلفاته:
خطوات على الأرض المحبوسة
قراءة حديثة في كتاب قديم (دراسات)
طلسمات مصرية (دراسات)
أجمل الكلمات لم أهمس بها بعد
البردية المجهولة (قصص قصيرة)
على شفا الموت على شفا الجنون
أحاديث عن الغولة (قصص قصيرة)
آلهة المصريين (ترجمة)
ما بعد الحرب الباردة (ترجمة)
ثقافة المصريين (دراسات)
جدي الملك الإله (قصص قصيرة)
طعام لنا بدلا من طعام الآلهة قصص قصيرة)