وضع رئيس المرحلة الانتقالية، الجنرال أسيمي غويتا، صباح اليوم الإثنين 16 يونيو 2025، حجر الأساس لمصفاة الذهب الوطنية الأولى في تاريخ البلاد.
وقد جرت مراسم وضع حجر الأساس وسط حضور رسمي ودبلوماسي رفيع المستوى شمل رئيس الحكومة، وأعضاء المجلس الوطني الانتقالي، وعدداً من الوزراء والسفراء وممثلي شركة “يادران”، بالإضافة إلى حشود شعبية كبيرة من سكان المنطقة.
في كلمته خلال المناسبة، أكد الرئيس غويتا أن هذا المشروع يشكل ثمرة مباشرة لتوصيات “المؤتمر الوطني لإعادة التأسيس”، حيث عبّر الشعب المالي عن مطلبه الصريح: أن تثمر ثروات البلاد لأبنائها لا لغيرهم.
وأضاف: “لقد اعتدنا طويلاً تصدير ذهبنا خاماً إلى الخارج لنراه يُكرر في مصافٍ أجنبية ويباع في الأسواق العالمية بأرباح طائلة لا تنعكس على اقتصادنا الوطني. اليوم، نضع حداً لهذا الواقع.”
تبلغ الطاقة الإنتاجية للمصفاة 200 طن من الذهب سنوياً، ما يؤهلها لأن تصبح الأكبر من نوعها في غرب إفريقيا، ولن تقتصر على معالجة الذهب المالي فقط، بل ستفتح أبوابها أيضاً لاستقبال الذهب القادم من دول الجوار، مما سيجعل من باماكو مركزاً إقليمياً بارزاً لصناعة وتكرير الذهب.
حتى الآن، لم يكن يُكرر سوى 5% من الذهب المنتج في مالي داخل البلاد، فيما كان الباقي يُصدر إلى الأسواق العالمية، ما يحرم الاقتصاد المالي من القيمة المضافة لواحد من أهم موارده الاستراتيجية، التي تمثل 75% من عائدات التصدير و25% من موازنة الدولة الوطنية.
أوضح وزير المعادن السيد أمادو كيتا أن هذه الخطوة ليست مجرد إنشاء مصنع صناعي، بل إعلان صريح عن سيادة اقتصادية حقيقية وقطع مع نماذج استغلالية قديمة قائلاً: “ما نُطلقه اليوم ليس مصفاة فحسب؛ إنه رؤية سياسية تتجسد في صناعة فعلية تضمن بقاء الثروة داخل البلاد، وتترجم قيمتها إلى بنية تحتية وتعليم وصحة وفرص عمل كريمة لأبناء مالي.”
يأتي تنفيذ المشروع بالشراكة مع مجموعة “يادران” الروسية التي ستضطلع بدور محوري في نقل التكنولوجيا وتدريب الكوادر المالية وصيانة المنشآت الصناعية. وفي هذا الصدد، صرح رئيس مجلس إدارة “يادران”، السيد إيريك سالخوف، قائلاً: “إننا لا نبني مصفاة وحسب، بل نؤسس لمجمع اقتصادي إقليمي ومركز صناعي حديث يعزز شراكة رابحة بين مالي وروسيا.”
ويمتلك الجانب المالي حصة الأغلبية في رأس مال المشروع بنسبة 62%، ما يعكس تمسك الدولة بسيادتها على مواردها الاستراتيجية، بينما تملك شركة يادران النسبة المتبقية البالغة 38%.
ويمتد المشروع على مساحة خمسة هكتارات بالقرب من مطار باماكو الدولي، ويضم مختبرات تحليل متطورة ومستودعات آمنة ومرافق صناعية وفق أعلى المعايير العالمية. كما سيُفتح المجال أمام معالجة الذهب القادم من دول الجوار، ما يعزز موقع مالي كمحور إقليمي لصناعة الذهب.
من المنتظر أن تسهم المصفاة في خلق مئات فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، مع توفير برامج تدريب مهني متقدمة لفائدة الشباب المالي، فضلاً عن دعم الخزينة العامة بموارد مالية إضافية عبر الضرائب والرسوم المرتبطة بسلسلة الإنتاج والتصدير.
ووفق التقديرات الأولية، قد تصل العائدات السنوية الصافية إلى نحو 950 مليون دولار أمريكي بعد دخول المصفاة مرحلة الإنتاج الكامل بحلول نهاية عام 2026.
كانت مالي لسنوات طويلة مصدراً رئيسياً للذهب الخام دون الاستفادة من قيمته المضافة. ويمثل هذا المشروع تتويجاً لسلسلة من الإصلاحات الجذرية في القطاع، شملت تدقيق العقود القديمة، إعادة صياغة قانون التعدين في 2023، إنشاء الشركة الوطنية للاستكشاف والتعدين، وسن قوانين تضمن مشاركة الدولة في المشروعات التعدينية.
وفي سياق موازٍ، واصلت الحكومة المالية مراجعة علاقاتها مع شركات التعدين الأجنبية. وقد تم مؤخراً وضع منجم “لولو-غونكوتو”، الذي تديره شركة “باريك غولد” الكندية، تحت الإدارة المؤقتة في إطار مراجعة أوسع لعقود التعدين الموقعة في السابق، سعياً لتعزيز حصة الدولة المالية من عوائد القطاع.