في خضمّ المواجهة العسكرية المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، لم تعد الخسائر تقتصر على الأرواح والبنى التحتية فقط، بل بدأت الكلفة الاقتصادية للحرب تُثقل كاهل الحكومة الإسرائيلية. وبحسب تقديرات رسمية كشفتها صحيفة هآرتس (Haaretz) في تقرير اقتصادي نُشر يوم 14 يونيو 2025، فإن استمرار الحرب لمدّة شهر واحد فقط سيُكلّف إسرائيل ما يقارب 40 مليار شيكل، أي ما يُعادل نحو 11.3 مليار دولار أميركي.
عجز الموازنة يقفز إلى أرقام غير مسبوقة
وفقًا للبيانات الصادرة عن وزارة المالية الإسرائيلية، فإن هذه الكلفة الهائلة ستؤدي إلى زيادة عجز الموازنة بنسبة نقطتين مئويتين إضافيتين، لترتفع من 5% من الناتج المحلي الإجمالي المسجّل في نهاية مايو 2025 إلى نحو 7%. ويُعد هذا الارتفاع مقلقًا، لأنه يعكس اختلالًا كبيرًا في التوازن المالي الإسرائيلي، ويفرض على الحكومة خيارات اقتصادية شديدة التقشف أو مزيدًا من الاستدانة.
توزيع التكاليف: بين الجبهة والداخل
التفاصيل التي نشرتها دورية The Marker الاقتصادية الإسرائيلية تُظهر أن هذه التكاليف موزّعة على عدة بنود أساسية:
العمليات العسكرية المباشرة: وتشمل تكاليف تشغيل الطائرات الحربية، تزويد القوات بالذخيرة والصواريخ، وصيانة الأنظمة الدفاعية مثل “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود”.
الدفاع المدني: بما في ذلك فتح الملاجئ، وتوفير الرعاية الصحية والنفسية للمتضررين، ودعم الإخلاء من المدن الحدودية.
تعويض الأضرار: آلاف المباني والممتلكات تضرّرت جراء القصف المتبادل، ما سيجبر الحكومة على دفع تعويضات ضخمة للمواطنين.
الدعم الاقتصادي: القطاعات المتضررة مثل السياحة، التجارة، الطيران الداخلي والخارجي، تستوجب خطط إنعاش عاجلة لتجنّب الإفلاس الجماعي.
التراجع في الإنتاجية: توقف آلاف المصانع والمدارس والمنشآت الحيوية، نتيجة ديمومة الإنذار بالخطر، يؤدي إلى خفض الإنتاج المحلي بنسبة قد تصل إلى 30% في بعض المناطق.
تراجع النمو… وتخوّف من تدهور التصنيف الائتماني
البنك المركزي الإسرائيلي خفّض توقعاته للنمو الاقتصادي لعام 2025 من 2.8% إلى 1.4% فقط، في حال استمرت المواجهات لشهر أو أكثر. كما أشار تقرير داخلي لهيئة الأوراق المالية الإسرائيلية إلى احتمال أن تقوم وكالات التصنيف الدولية مثل موديز وستاندرد آند بورز بإعادة تقييم التصنيف الائتماني للدولة، لا سيما إذا استمرت الحكومة في إصدار سندات دين جديدة لتمويل العجز.
وفي هذا السياق، صرّح البروفسور يعقوب ليفي، أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة تل أبيب، لصحيفة هآرتس قائلاً: “الحرب مع إيران ليست مجرد مواجهة عسكرية، إنها أيضًا اختبار لقدرة إسرائيل على تحمّل صدمة اقتصادية طويلة الأمد. إذا طال أمد النزاع، فستجد الحكومة نفسها أمام ضرورة رفع الضرائب أو تقليص الإنفاق الاجتماعي، ما سيؤثر مباشرة على الطبقة الوسطى.”
المخاوف من الانكماش الاقتصادي
مع استمرار نزيف الخسائر، تظهر مؤشرات مبكّرة لانكماش اقتصادي، لا سيما مع تراجع مؤشرات البورصة وانخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي بدأت بعض شركاتها الكبرى تُخطّط لسحب جزء من أصولها من إسرائيل خشية التورّط في أزمة ممتدة.
الجدير بالذكر أن تجربة إسرائيل في حرب أكتوبر 1973 شكّلت سابقة مشابهة، حيث ارتفعت كلفة الحرب حينها بنسبة تجاوزت 20% من الناتج المحلي، وهو ما يُثير الآن مخاوف من تكرار نفس السيناريو في ظل تصعيد إقليمي مفتوح الجبهات.