تجاوزت الساعة الثانية صباحًا بتوقيت القدس المحتلة فجر يوم الأربعاء 18 يونيو/حزيران 2025، حين أفاق مستوطنون إسرائيليون في حيفا على دويٍّ يشبه الرعد، بعد ساعات من إنذارات متواصلة. ما سمعوه لم يكن سوى أحدث رشقة صواريخ إيرانية تخترق الغلاف الجوي بسرعة تقارب كيلومترين في الثانية.
أعلن التلفزيون الإيراني أن الحرس الثوري استخدم لأول مرة صواريخ “فتّاح” في المرحلة الحادية عشرة من “عملية الوعد الصادق 3″، مؤكدًا أنها “غير قابلة للاعتراض”. وكشفت وكالة تسنيم عن تصعيد نوعي في المواجهة، مشيرةً إلى أن هذه الصواريخ تتمتع بسرعات فائقة وقدرات تدميرية تمكنها من اختراق منظومات الدفاع الجوي المتطورة.
في بيانٍ نقلته الوكالة، حذر الحرس الثوري من أن الضربات القادمة ستشهد استخدامًا أوسع للصواريخ الفرط صوتية، مما يضع العالم أمام سيناريوهات تصعيدية ما لم تتوقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية.
الأسئلة المحورية
في ظل هذا التصعيد، تبرز أسئلة جوهرية: ما هي الصواريخ الفرط صوتية؟ وما أنواعها؟ وكيف تختلف عن الصواريخ التقليدية؟ وما طبيعة الترسانة الإيرانية منها؟
الصواريخ الفرط صوتية: التعريف والتحديات
يُصنف السلاح “فرط صوتيًا” إذا تجاوز سرعته 5 ماخ (6125 كم/ساعة)، أي خمسة أضعاف سرعة الصوت. عند هذه السرعة، تواجه المركبات تحديات فيزيائية هائلة، أبرزها الحرارة الشديدة الناتجة عن احتكاكها بالغلاف الجوي، مما يتطلب مواد تصنيع متطورة وأنظمة دفع متقدمة.
لكن السرعة وحدها لا تكفي لتصنيف الصاروخ كفرط صوتي. فالصواريخ الباليستية التقليدية قد تصل إلى 20 ماخ في مراحل طيرانها، لكنها تفتقر إلى القدرة على المناورة. الفارق الجوهري يكمن في تحليق الصاروخ ضمن الغلاف الجوي بقدرة عالية على تغيير مساره أفقيًا وعموديًا، مما يعقد مهمة اعتراضه.
أنواع الصواريخ الفرط صوتية
تنقسم إلى نوعين رئيسيين:
– صواريخ كروز الفرط صوتية: تعمل بالطاقة طوال رحلتها، وتحافظ على سرعة ثابتة قرب هوامش الغلاف الجوي، مع قدرة عالية على المناورة لتفادي الدفاعات الجوية.
– المركبات الانزلاقية الفرط صوتية: تُطلق عبر صواريخ باليستية، ثم تنفصل وتنزلق نحو أهدافها بسرعات تفوق 5 ماخ، مع إمكانية تغيير مسارها بشكل غير متوقع.
المزايا الاستراتيجية
تتفوق الصواريخ الفرط صوتية على التقليدية بعدة خصائص:
– القدرة على المناورة: تتيح لها تجاوز الرادارات والدفاعات الجوية بتغيير مسارها فجأة.
– الاختفاء عن الرادارات: تحلق على ارتفاعات متوسطة، بين مدى صواريخ “باتريوت” ورادارات الإنذار المبكر، مما يقلل زمن التحذير إلى ثوانٍ.
– الدقة العالية: تُوجه عبر أنظمة ملاحة متطورة، مما يزيد فرص إصابة الأهداف الحساسة.
الترسانة الإيرانية: صواريخ “فتّاح”
تمتلك إيران حاليًا نموذجين من الصواريخ الفرط صوتية:
صاروخ “فتّاح 1”
كُشف عنه في يونيو 2023 كأول صاروخ إيراني فرط صوتي، بسرعة تصل إلى 15 ماخ ومدى 1400 كم. يتكون من مرحلتين:
1. محرك أساسي: يعمل بالوقود الصلب، يدفع الصاروخ إلى طبقات الجو العليا.
2. رأس حربي مناور: مزود بمحرك كروي يمكنه تغيير اتجاهه في كل المحاور، معتمدًا على الملاحة بالقصور الذاتي.
صاروخ “فتّاح 2”
أُعلن عنه في نوفمبر 2023، ويتميز برأس حربي انزلاقي ينفصل عن الصاروخ الحامل ويُنزل بسرعة 5-10 ماخ. زاد مداه إلى 1800 كم تقريبًا، مع قدرة أعلى على المناورة. استُخدم عمليًا في أبريل 2024 لاستهداف قواعد إسرائيلية، مما أسفر عن أضرار جسيمة وفق تقارير غربية.
ورغم تفوقها التقني، تواجه الصواريخ الفرط صوتية عقبات مثل صعوبة الحفاظ على الاستقرار الهوائي تحت الحرارة الشديدة، كما أن تطويرها يحتاج استثمارات ضخمة، مما يحد من انتشارها عالميًا.
وتسعى إيران لتعزيز ترسانتها عبر زيادة المدى وتحسين الدقة، لكن هذه الصواريخ ليست “حلًا سحريًا” للحروب، التي تُحدد نتائجها بعوامل مثل التحالفات واللوجستيات. ومع ذلك، فإنها تغير موازين الردع، إذ تقلص زمن الاستجابة الصهيونية من ساعات إلى ثوانٍ، مما يزيد من حدة التوتر في المنطقة.