بعد أيام من الغموض والتقارير المتضاربة حول مقتله، خرج علي شمخاني، أحد أبرز رجالات الأمن والسياسة في إيران، برسالة بثتها وسائل الإعلام الإيرانية، موجّهة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، قال فيها: “أنا على قيد الحياة… ومستعد للتضحية بنفسي”، في أول تصريح له عقب إصابته بجروح خطيرة نتيجة ضربة جوية إسرائيلية استهدفته، حسب ما أوردته وسائل إعلام محلية.
التأكيد على بقاء شمخاني حيًا – رغم كثافة الشائعات حول اغتياله – أعاد تسليط الضوء على هذا الرجل الذي ظل لعقود في صلب النظام الإيراني، متنقلاً بين ساحات الحرب، ودهاليز السياسة، وغرف العمليات الأمنية، ومحتفظًا في الوقت نفسه بعلاقات معقدة داخل دوائر السلطة المتشابكة. فمن هو علي شمخاني؟ وما الذي جعله محط استهداف مباشر في هذا التوقيت الحرج من التصعيد بين إسرائيل وإيران؟
من هو على شمخانى ؟
ولد علي شمخاني عام 1955 في مدينة الأهواز بجنوب غرب إيران لعائلة عربية من محافظة خوزستان. منذ شبابه، خاض غمار السياسة، واعتُقل مرات عدة قبل الثورة الإسلامية عام 1979 بسبب أنشطته المناهضة لنظام الشاه. في منتصف السبعينات، كان من المؤسسين لجماعة “منصورون” المسلحة، التي نشطت في عدة محافظات قبل أن تشكّل لاحقاً نواة للحرس الثوري بعد الثورة.
بعد انتصار الثورة، أصبح من القيادات العسكرية البارزة في الحرس الثوري، وتقلد مواقع عليا خلال الحرب العراقية الإيرانية، أبرزها قيادة فرع خوزستان، ثم شغل منصب نائب القائد العام للحرس، وقائد القوات البرية، ورئيس شعبة الاستخبارات والعمليات. انتقل بعدها إلى الجيش النظامي ليقود البحرية، وأصبح أحد القلائل الذين جمعوا بين قيادة البحرية في الجيش والحرس معاً.
خلال مسيرته، عُرف بخطابه الشهير “أنقذونا!” في بدايات الحرب مع العراق، الذي أظهر فيه حجم النقص والعشوائية في تجهيزات الحرس حينها. وفي كتابه القصير “أنقذونا!”، أقرّ بأنه لم يكن يملك المعرفة العسكرية الكافية آنذاك.
سياسياً، تولى وزارة الدفاع في عهد الرئيس محمد خاتمي، وحاز أوسمة من إيران والسعودية، بينها وسام الملك عبد العزيز عام 2000. ترشح للانتخابات الرئاسية عام 2001، لكنه خسر أمام خاتمي بنحو 2.5% فقط من الأصوات، ومع ذلك استمر وزيراً للدفاع.
عام 2013، عُين أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي، في فترة عصفت بها احتجاجات داخلية عديدة، وأزمات خارجية أبرزها إسقاط الطائرة الأوكرانية عام 2020. وخلال ولايته، لعب دوراً مهماً في الاتفاق التاريخي بين إيران والسعودية برعاية صينية عام 2023.
في مايو 2023، أُقيل من منصبه الأمني، لكنه لم يُستبعد من دوائر السلطة، إذ عيّنه المرشد الأعلى خامنئي مستشاراً سياسياً وعضواً في مجمع تشخيص مصلحة النظام.
رغم دوره المركزي في النظام، لطالما لاحقته اتهامات بالثراء الفاحش لعائلته، وسط تداول صور لقصور وممتلكات باهظة. ابنه حسين يُعتقد أنه يدير شركة شحن مرتبطة بشبكة مصالح تجارية واسعة، ما أثار انتقادات إعلامية وصلت إلى مطالبة بعض الصحف له بـ”الاختيار بين التجارة أو البقاء في السلطة”.
شمخاني الذي نجا مؤخرًا من محاولة اغتيال أو حادث غامض أحاطه التعتيم، يعاود الظهور في مشهد لا يخلو من حسابات السلطة المعقدة في إيران، ليبقى أحد أبرز وجوه المؤسسة الأمنية التي صنعت الجمهورية الإسلامية وماتزال تتحكم بمساراتها.