كان التقدير الأمريكي أن الضربة الاستباقية الإسرائيلية على إيران التي اغتالت فيها معظم القادة قد أنهت اللعبة.. وأن سقوط النظام الإيراني بات قريبا جدا.
هذا التصور الخاطئ مبنٍ على خبرة الضربة الاستباقية على المطارات المصرية في 5 يونيه 1967 والتي خسرت مصر بعدها المعركة وشبه جزيرة سيناء.
الاستراتيجيات العسكرية تغيرت جذريا. مصطلح السيادة على أجواء إيران الذي أعلنته إسرائيل وترامب لا يعني شيئا ما دامت هناك مقاومة وتوازن في الردع.
السيادة التي افتخر بها ترامب ونتنياهو تحولت بدءا من صباح الخميس إلى سيادة للصواريخ الإيرانية ، ليس على سماء إسرائيل فقط، بل على فضائها.
كم يكلف طيران 50 قاذفة مسافة طويلة لتقصف جغرافية جبلية شديدة الصعوبة في إيران على مساحات هائلة.. وكم يكلف صاروخ واحد من مكان ما في إيران ليصل سماء تل أبيب وحيفا في 10 أو 15 دقيقة؟!.
لذلك طرحت نيويورك تايمز سؤالها: هل تصمد أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي في التصدي للصواريخ الإيرانية؟.. وقالت إن الإجابة على هذا السؤال يحدد مصير الحرب.
الترهل الذي أصاب الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية منذ صباح الخميس وحتى الهجمة الصاروخية الأخيرة الساعة الثالثة فجر السبت، وتكونت من 5 صواريخ، يشرح الوضع جيدا.
هناك استنزاف كبير جرى لصواريخ الأنظمة الدفاعية.. ولذلك لا تطلق إيران سوى عدد قليل في كل رشقة، فتصيب الهدف كما في الرشقة الأخيرة التي أصابت مبنى في تل أبيب.
يقول الكاتب الصحفي فراج إسماعيل إن الصواريخ ليست وحدها التي تعمل في سماء إسرائيل، بل عشرات المسيرات التي استلزمت نشر منطومة “برق” للتصدي لها.
وأضاف في منشور على “فيس بوك” هذه المسيرات انتحارية وتجسسية. وعقب كل انتشار كثيف فوق حيفا وبئر سبع وتل أبيب، تأتي الصواريخ الإيرانية.
كما أن المستوطنين على وسائل التواصل هاجموا الجيش لأنه لم يعد يهتم بالتصدي للصواريخ الباليستية على أساس أن تكلفة الصاروخ الاعتراضي حسب نوعه تتجاوز 3 ملايين دولار، وهذا الرقم يتجاوز بكثير تكلفة الضرر لو سمح للصاروخ بالسقوط على مبنى أو بيت، ما عدا المقرات الاستراتيجية.
“إن أنواع الصواريخ الاعتراضية المطلوبة لإسقاط الصواريخ الباليستية باهظة الثمن ويصعب إنتاجها بكميات كبيرة”، هذا ما كتبه الخبير العسكري الأمريكي دان كالدويل على موقع X هذا الأسبوع.
إسرائيل تشعر الآن أنها بالفعل أمام خطر الهزيمة.. فإيران تصل إلى منشآتها الحساسة، وترامب بالتردد الذي ظهر عليه، كأنه يبيع صديقه نتنياهو!.
أظهر تقييم حديث للتهديدات أجراه الجيش الأمريكي أن إيران تنشر “كمية كبيرة” من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات المسيرة القادرة على ضرب أهداف في جميع أنحاء المنطقة.
يعتمد برنامج الصواريخ الإيراني بشكل كبير على التصميمات الكورية الشمالية والروسية، وقد استفاد من المساعدات الصينية، وفقًا لجمعية الحد من الأسلحة، وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن.
في الممارسة العملية، يتطلب كل صاروخ قادم عادةً صاروخ اعتراض خاص به لتحييده. على سبيل المثال، إذا أطلقت إيران 100 صاروخ، فستحتاج إسرائيل إلى إطلاق نفس العدد تقريبًا من الصواريخ الاعتراضية لإيقافها.
دان كالدويل كتب على موقع X أن تقنين إسرائيل والولايات المتحدة إطلاق صواريخهما الاعتراضية يزيد من فعالية الهجمات الإيرانية الأصغر حجمًا.
القبة الحديدية، نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي المعروف، هي مجرد مكون واحد من نظام أوسع مصمم لمواجهة مجموعة من التهديدات الجوية، من الصواريخ والقذائف إلى الطائرات بدون طيار والطائرات.
الطبقة الأولى، القبة الحديدية، تعترض الصواريخ قصيرة المدى وقذائف المدفعية – عادةً في نطاق 70 كيلومترًا – وتُستخدم في المقام الأول لحماية المناطق المدنية.
الطبقة التالية هي مقلاع داود، التي تستهدف الصواريخ الباليستية متوسطة المدى التي تُطلق من مسافات تتراوح بين 100 و200 كيلومتر.
وأخيرًا، يوفر نظام أرو – الذي يتألف من أرو 2 وأرو 3 – دفاعًا بعيد المدى. صُمم أرو 2 لاعتراض الصواريخ في الغلاف الجوي العلوي، على ارتفاع حوالي 50 كيلومترًا فوق سطح الأرض وفي دائرة نصف قطرها 100 كيلومتر. أما أرو 3، فيدفع هذه الحدود إلى الفضاء، قادرًا على اعتراض الصواريخ على مسافات تصل إلى 2400 كيلومتر.
الصواريخ الباليستية ليست فقط معضلة إسرائيل. فمسؤول إسرائيلي صرح ليديعوت أحرونوت بأن إيران بدأت تتعافى على صعيد الدفاعات الجوية، وقد عادت لإطلاق صواريخ مضادة للطائرات ولديها منطومات رصد فعالة.
تمتلك إيران أنظمة دفاع جوي مثل نظام إس-300 الروسي،
وفي تحليل كتبه الدكتور ماريون ميسمر، الباحث البارز في تشاتام هاوس: “إذا استمرت إسرائيل في مهاجمة منشآتها النووية والعسكرية، فإن إيران لديها حافز قوي لتجميع سلاح نووي بدائي بأسرع ما يمكن لردع أي ضرر إضافي لمنشآتها وإظهار قدرتها على الدفاع عن سيادتها”.
